ذكر، لأنه لا دلالة فيها على جواز كل دين ولا على جواز التأجيل في جميعها، وإنما فيها الأمر بالإشهاد على دين قد ثبت فيه التأجيل، لاستحالة أن يكون المراد به الإشهاد على ما لم يثبت من الديون ولا من الآجال، فوجب أن يكون مراده (إذا تداينتم بدين قد ثبت فيه التأجيل فاكتبوه) فالمستدل به على جواز تأجيل القرض مغفل في استدلاله. ومما يدل على أن القرض لم يدخل فيه أن قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين) قد اقتضى عقد المداينة، وليس القرض بعقد مداينة، إذ لا يصير دينا بالعقد دون القبض، فوجب أن يكون القرض خارجا منه.
قال أبو بكر: وقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) قد اشتمل على كل دين ثابت مؤجل، سواء كان بدله عينا أو دينا، فمن اشترى دارا أو عبدا بألف درهم إلى أجل كان مأمورا بالكتاب والإشهاد بمقتضى الآية. وقد دلت الآية على أنها مقصورة في دين مؤجل في أحد البدلين لا فيهما جميعا، لأنه تعالى قال: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) ولم يقل (بدينين) فإنما أثبت الأجل في أحد البدلين، فغير جائز وجود الأجل في البدلين جميعا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين. وأما إذا كانا دينين بالعقد، فهذا جائز في السلم وفي الصرف، إلا أن ذلك مقصور على المجلس. ولا يمتنع أن يكون السلم مرادا بالآية، لأن التأجيل في أحد البدلين وهو السلم، وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على عقد مداينة موجب لدين مؤجل. وقد روى قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس قال: (أشهد أن السلم المؤجل في كتاب الله وأنزل فيه أطول آية في كتاب الله: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) فأخبر ابن عباس أن السلم المؤجل مما انطوى تحت عموم الآية. وعلى هذا كل دين ثابت مؤجل فهو مراد بالآية، سواء كان من إبدال المنافع أو الأعيان، نحو الأجرة المؤجلة في عقود الإجارات والمهر إذا كان مؤجلا وكذلك الخلع والصلح من دم العمد والكتابة المؤجلة، لأن هذه ديون مؤجلة ثابتة بعقد مداينة، وقد بينا أن الآية إنما اقتضت هذا الحكم في أحد البدلين إذا كان مؤجلا لا فيهما، لأنه قال: (إذا تداينتم بدين إلى أجل) فكل عقد انتظمته الآية فهو العقد الذي ثبت به دين مؤجل، ولم تفرق بين أن يكون ذلك الدين بدلا من منافع أو أعيان، فوجب أن يكون جميع المندوب إليه من الكتاب والإشهاد مرادا بها هذه العقود كلها، وأن ما يكون ما ذكر من عدد الشهود وأوصاف الشهادة معتبرا في سائرها، إذا ليس في اللفظ تخصيص شئ منه دون غيره فيوجب ذلك جواز شهادة الرجل والمرأتين في النكاح إذا كان المهر دينا مؤجلا وفي الخلع والإجارة والصلح من دم العمد وسائر ما كان هذا وصفه، وغير جائز الاقتصار بهذه الأحكام على بعض الديون المؤجلة دون بعض مع شمول الآية لجميعها.