تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) فأبطل الله من الربا ما لم يكن مقبوضا وإن كان معقودا قبل نزول التحريم، ولم يتعقب بالفسخ ما كان منه مقبوضا بقوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) وقد روي ذلك عن السدي وغيره من المفسرين. وقال تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) فأبطل منه ما بقي مما لم يقبض، ولم يبطل المقبوض. ثم قال تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم) وهو تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه ولا زيادة. وروي عن ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته يوم حجة الوداع بمكة - وقال جابر بعرفات - (إن كل ربا في الجاهلية فهو موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) فكان فعله صلى الله عليه وسلم مواطئا لمعنى الآية في إبطال الله تعالى من الربا ما لم يكن مقبوضا وإمضائه ما كان مقبوضا.
وفيما روي في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ضروب من الأحكام، أحدها: أن كل ما طرأ على عقد البيع قبل القبض مما يوجب تحريمه فهو كالموجود في حال وقوعه، وما طرأ بعد القبض مما يوجب تحريم ذلك العقد لم يوجب فسخه، وذلك نحو النصرانيين إذا تبايعا عبدا بخمر فالبيع جائز عندنا، وإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر بطل العقد، وكذلك لو اشترى رجل مسلم صيدا ثم أحرم البائع أو المشتري بطل البيع، لأنه قد طرأ عليه ما يوجب تحريم العقد قبل القبض، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض لأنه طرأ عليه ما يوجب تحريمه قبل القبض، وإن كانت الخمر مقبوضة ثم أسلما أو أحرما لم يبطل البيع كما لم يبطل الله الربا المقبوض حين أنزل التحريم، فهذا جائز في نظائره من المسائل ولا يلزم عليه أن يقتل العبد المبيع قبل القبض ولا يبطل البيع، وللمشتري اتباع الجاني من قبل أنه لم يطرأ على العقد ما يوجب تحريم العقد، لأن العقد باق على هيئته التي كان عليها والقيمة قائمة مقام المبيع، وإنما يعتبر المبيع وللمشتري الخيار فحسب.
وفيها دلالة على أن هلاك المبيع في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد، وهو قول أصحابنا والشافعي، وقال مالك: (لا يبطل والثمن لازم للمشتي إذا لم يمنعه). ودلالة الآية ظاهرة على أن قبض المبيع من تمام البيع وأن سقوط القبض يوجب بطلان العقد، وذلك لأن الله تعالى لما أسقط قبض الربا أبطل العقد الذي عقداه وأمر بالاقتصار على رأس المال، فدل ذلك على أن قبض المبيع من شرائط صحة العقد وأنه متى طرأ على العقد ما يسقطه أوجب ذلك بطلانه. وفيها الدلالة على أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ وإن كانت معقودة على فساد، لأنه معلوم أنه قد كان بين نزول الآية وبين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووضعه الربا الذي