يختلف فيه شرائع الأنبياء عليهم السلام، فدل ذلك على أن المأمور به من القول الحسن أحد وجهين: إما أن يكون ذلك خاصا في المسلمين ومن لا يستحق اللعن والنكير، وإن كان عاما فهو الدعاء إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك كله حسن. وأخبرنا الله تعالى أنه كان أخذ الميثاق على بني إسرائيل بما ذكر، والميثاق وهو العقد المؤكد إما بوعيد أو بيمين، وهو نحو أمر الله الصحابة بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على شرائطها المذكورة.
وقوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) يحتمل وجهين أحدهما لا يقتل بعضكم بعضا كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 29] وكذلك إخراجهم من ديارهم، وكقوله: (وقاتلوا وقتلوا) [آل عمران: 195] والآخر: أن لا يقتل كل واحد نفسه، إما بأن يباشر ذلك كما يفعله الهند وكثير ممن يغلب عليه اليأس عند الخلاص من شدة هو فيها، أو بأن يقتل غيره فيقتل به فيكون في معنى قتل نفسه. واحتمال اللفظين المعنيين يوجب أن يكون عليهما جميعا.
وهذا الذي أخبر الله به من حكم شريعة التوراة مما كان يكتمه اليهود لما عليهم في ذلك من الوكس ويلزمهم في ذلك من الذم، فأطلع الله نبيه عليه وجعله دلالة وحجة عليهم في جحدهم نبوته، إذ لم يكن عليه السلام ممن قرأ الكتب ولا عرف ما فيها إلا بإعلام الله تعالى إياه. وكذلك جميع ما حكى الله بعد هذه الآيات عنهم من قوله: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) وسائر ما ذمهم هو توقيف منه له على ما كانوا يكتمون وتقريع لهم على ظلمهم وكفرهم وإظهار قبائحهم، وجميعه دلالة على نبوته عليه السلام.
وقوله تعالى: (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) دال على أن فداء أساراهم كان واجبا عليهم، وكان اخراج فريق منهم من ديارهم محرما عليهم، فإذا أسر بعضهم عدوهم كان عليهم أن يفادوهم، فكانوا في إخراجهم كافرين ببعض الكتاب لفعلهم ما حظره الله عليهم وفي مفاداتهم مؤمنين ببعض الكتاب بقيامهم بما أوجبه الله عليهم.
وهذا الحكم من وجوب مفاداة الأسارى ثابت علينا: روى الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن جده: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين). ورى منصور عن شقيق بن سلمة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطعموا الطعام وأفشوا السلام وعودوا المريض يكون وفكوا العاني) فهذان الخبران يدلان على فكاك الأسير، لأن العاني هو