حكما) فهي هذه الأمثال والمواعظ التي يتعظ بها الناس. وأما قوله (إن من القول عيالا) فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده. فسمى النبي عليه السلام بعض البيان سحرا، لأن صاحبه بين أن ينبئ عن حق فيوضحه ويجليه بحسن بيانه بعد أن كان خفيا، فهذا من السحر الحلال الذي أقر النبي عليه السلام عمر بن الأهتم عليه ولم يسخطه منه.
وروى أن رجلا تكلم بكلام بليغ عند عمر بن عبد العزيز فقال عمر: (هذا والله السحر الحلال). وبين أن يصور الباطل في صورة الحق ببيانه ويخدع السامعين بتمويهه.
ومتى أطلق فهو اسم لكل أمر مموه باطل لا حقيقة له ولا ثبات، قال الله تعالى: (سحروا أعين الناس) [الأعراف: 116] يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى. وقال: [يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) [طه: 166] فأخبر أن ما ظنوه سعيا منها لم يكن سعيا وإنما كان تخييلا. وقد قيل: إنها كانت عصيا مجوفة قد ملئت زئبقا، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم محشوة زئبقا، وقد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسرابا وجعلوا آزاجا وملؤها نارا، فلما طرحت عليه وحمى الزئبق حركها، لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير، فأخبر الله أن ذلك كان مموها على غير حقيقته.
والعرب تقول لضرب من الحلي (مسحور) أي مموه على من رآه مسحور به عينه. فما كان من البيان على حق ويوضحه فهو من السحر الحلال، وما كان منه مقصودا به إلى تمويه وخديعة وتصوير باطل في صورة الحق فهو من السحر المذموم.
فإن قيل: إذا كان موضوع السحر التمويه والإخفاء فكيف يجوز أن يسمى ما يوضح الحق وينبئ عنه سحرا، وهو إنما أظهر بذلك ما خفي ولم يقصد به إلى إخفاء ما ظهر وإظهاره غير حقيقة؟ قيل له: سمي ذلك سحرا من حيث كان الأغلب في ظن السامع أنه لو ورد عليه المعنى بلفظ مستنكر غير مبين لما صادف منه قبولا ولا أصغى إليه، ومتى سمع المعنى بعبارة مقبولة عذبة لا فساد فيها ولا استنكار وقد تأتي لها بلفظه وحسن بيانه بما لا يتأتى له الغبي الذي لا بيان له أصغى إليه وسمعه وقبله، فسمى استمالته للقلوب بهذا الضرب من البيان سحرا كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إلى ما موه به ولبسه، فمن هذا الوجه سمى البيان سحرا لا من الوجه الذي ظننت. ويجوز أن يكون إنما سمي البيان سحرا لأن المقتدر على البيان ربما قبح ببيانه بعض ما هو حسن وحسن عنده بعض ما هو قبيح فسماه لذلك سحرا، كما سمي ما موه به صاحبه وأظهر على غير حقيقته سحرا.
قال أبو بكر رحمه الله: واسم السحر إنما أطلق على البيان مجازا لا حقيقة