(لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) و (إذا اختلف البيعان فالقول ما قاله البائع أو يترادان) وما جرى مجرى ذلك من الأخبار التي مخرجها من جهة الإفراد وصارت في حيز التواتر لتلقي الفقهاء لها بالقبول من استعمالهم إياها فجاز تخصيص آية المواريث بها. ويدل على تسوية حكم العامد والمخطئ في ذلك ما روي عن علي وعمر وابن عباس من غير خلاف من أحد من نظرائهم عليهم. وغير جائز فيما كان هذا وصفه من قول الصحابة في شيوعه واستفاضته أن يعترض عليه بقول التابعين. ولما وافق مالك على أنه لا يرث من دينه وجب أن يكون ذلك حكم سائر ماله من وجوه، أحدها: أن ديته ماله وميراث عنه بدليل أنه تقتضي منها ديونه وتنفذ منها وصاياه ويرثها سائر ورثته على فرائض الله تعالى كما يرثون سائر أمواله، فلما اتفقوا على أنه لا يرث من ديته كان ذلك حكم سائر ماله في الحرمان كما أنه إذا ورث من سائر ماله ورث من ديته، فمن حيث كان حكم سائر ماله حكم ديته في الاستحقاق وجب أن يكون حكم سائر ماله حكم ديته في الحرمان، إذ كان الجميع مستحقا على سهام ورثته وأنه مبدوء به في الدين على الميراث. ومن جهة أخرى أنه لما ثبت أنه لا يرث من ديته لما اقتضاه الأثر وجب أن يكون حكم سائر ماله كذلك، لأن الأثر لم يفصل في وروده بين شئ من ذلك. وقال مالك: إنما ورث قاتل الخطأ من سائر ماله سوى الدية لأنه لا يتهم أن يكون قتله ليرثه.
وهذه العلة موجودة في ديته، لأنها من التهمة أبعد، فواجب على مقتضى علته أن يرث من ديته. ومن جهة أخرى أنهم لا يختلفون في قاتل العمد وشبه العمد أنه لا يرث سائر ماله كما لا يرث من ديته إذا وجبت، فوجب أن يكون ذلك حكم قاتل الخطأ لاتفاقهما في حرمان الميراث من ديته. وأيضا إذا كان قتل العمد وشبه العمد إنما حرما الميراث للتهمة في إحراز الميراث بقتله فهذا المعنى موجود في قتل الخطأ، لأنه يجوز أن يكون إنما أظهر رمي غيره وهو قاصد به قتله لئلا يقاد منه ولا يحرم الميراث، فلما كانت التهمة موجودة من هذا الوجه وجب أن يكون في معنى العمد وشبهه. وأيضا توريثه بعض الميراث دون بعض خارج من الأصول، لأن فيها أن من ورث بعض تركة ورث جميعها ومن حرم بعضها حرم جميعها. وإنما قال أصحابنا: إن الصبي والمجنون لا يحرمان الميراث بالقتل من قبل أنهما غير مكلفين، وحرمان الميراث على وجه العقوبة في الأصول فأجرى قاتل الخطأ مجراه وإن لم يستحق العقاب بقتل الخطأ تغليظا لأمر الدم، ويجوز أن يكون قد قصد القتل برميه أو بضربه وأنه أوهم أنه قاصد لغيره فأجرى في ذلك مجرى من علم منه ذلك، والصبي والمجنون على أي وجه كان منهما ذلك لا يستحقان الدم، قال النبي عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى ينتبه، وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم).