قال أبو بكر رحمه الله: فظاهر هذا الخبر يقتضي سقوط حكم قتله رأسا من سائر الوجوه، ولولا قيام الدلالة لما وجبت الدية أيضا.
فإن قيل: فإنه يحرم النائم الميراث إذا انقلب على صبي فقتله؟ قيل له: هو مثل قاتل الخطأ يجوز أن يكون أظهر أنه نائم ولم يكن نائما في الحقيقة. وأما قول الشافعي في العادل إذا قتل الباغي حرم الميراث، فلا وجه له، لأنه قتله بحق وقد كان الباغي مستحقا للقتل، فغير جائز أن يحرم الميراث. ولا نعلم خلافا أن من وجب له القود على انسان فقتله قودا أنه لا يحرم الميراث. وأيضا فلو كان قتل العادل الباغي يحرمه الميراث لوجب أنه إذا كان محاربا فاستحق القتل حدا أن لا يكون ميراثه لجماعة المسلمين، لأن الإمام قام مقام الجماعة في إجراء الحكم عليه فكأنه قتلوه، فلما كان المسلمون هم المستحقين لميراث من ذكرنا أمره وإن كان الإمام قام مقامهم في قتله ثبت بذلك أن من قتل بحق لا يحرم قاتله ميراثه. وقال أصحابنا في حافر البئر وواضع الحجر في الطريق إذا عطب به انسان: أنه لا يحرم الميراث، لأنه غير قاتل في الحقيقة، إذ لم يكن فاعلا للقتل ولا بسبب اتصل بالمقتول، والدليل على ذلك أن القتل على ثلاثة أوجه: عمد، وخطأ، وشبه العمد، وحافر البئر وواضع الحجر خارج عن ذلك، فإن قيل: حفر البئر ووضع الحجر سبب للقتل كالرامي والجارح أنهما قاتلان لفعلهما السبب؟ قيل له: الرمي وما تولد منه من مرور السهم هو فعله وبه حصل القتل، وكذلك الجرح فعله فصار قاتلا به لاتصال فعله بالمقتول، وعثار الرجل بالحجر ووقوعه في البئر ليس من فعله فلا يجوز أن يكون به قاتلا، وقوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) يدل على أن العالم بالحق المعاند فيه أبعد من الرشد وأقرب إلى اليأس من الصلاح من الجاهل، لأن قوله تعالى:
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) يفيد زوال الطمع في رشدهم لمكابرتهم الحق بعد العلم به.
وقوله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، قيل في معنى معدودة:
إنها قليلة، كقوله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) [يوسف: 20] أي قليلة. وقال ابن عباس وقتادة في قوله (أياما معدودة) أنها أربعون يوما مقدار ما عبدوا العجل، وقال الحسن ومجاهد: سبعة أيام. وقال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) [البقرة: 183 و 184]، فسمى أيام الصوم في هذه الآية معدودات وأيام الشهر كله.
وقد احتج شيوخنا لأقل مدة الحيض وأكثره أنها ثلاثة وعشرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(المستحاضة أخبرنا تدع الصلاة أيام إقرائها) يا وفي بعض الألفاظ: (دعي الصلاة أيام حيضك)