أزواجهن ولأنفسهن، بين وجائز أن يكون المراد جميع ذلك لاحتمال اللفظ له. وقال تعالى:
(الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34] قد أفاد ذلك لزومها طاعته، لأن وصفه بالقيام عليها يقتضي ذلك. وقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) [النساء: 34] يدل على أن عليها طاعته في نفسها وترك النشوز عليه.
وقد روي في حق الزوج على المرأة وحق المرأة عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار بعضها مواطئ لما دل عليه الكتاب وبعضها زائد عليه، من ذلك ما حدثنا محمد بن بكر البصري قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وغيره قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وروى ليث عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر قال: جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على الزوجة؟ فذكر فيها أشياء: (لا تصدق بشئ من بيته إلا بإذنه فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال: (لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تصوم يوما إلا بإذنه) وروى مسعر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها) ثم قرأ: (الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34] الآية.
قال أبو بكر: ومن الناس من يحتج بهذه الآية في إيجاب التفريق إذا أعسر الزوج بنفقتها، لأن الله تعالى جعل لهن من الحق عليهم مثل الذي عليهن فسوى بينها، فغير جائز أن يستبيح بضعها من غير نفقة ينفقها عليها. وهذا غلط من وجوه، أحدها: أن النفقة ليست بدلا عن البضع فيفرق بينهما ويستحق البضع عليها من أجلها، لأنه قد ملك البضع بعقد النكاح وبدله هو المهر. والوجه الثاني: أنها لو كانت بدلا لما استحقت التفريق بالآية، لأنه عقب ذلك بقوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة) فاقتضى ذلك تفضيله عليها فيما يتعلق بينهما من حقوق النكاح، وأن يستبيح بعضها وإن لم يقدر على نفقتها. وأيضا فإن كانت النفقة مستحقة عليه بتسليمها نفسها في بيته فقد أوجبنا لها عليه مثل ما أبحنا منها له وهو فرض النفقة وإثباتها في ذمته لها، فلم تخل في هذه الحال من إيجاب الحق لها كما أوجبناه له عليها.