216] وقوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5] فمن الناس من يقول إن قوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) منسوخ بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). ومنهم من يقول: هذا الحكم ثابت، لا يقاتل في الحرم إلا من قاتل. ويؤيد ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة: (إن مكة حرام حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض) فإن ترخص مترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فإنما أحلت له ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة، فدل ذلك على أن حكم الآية باق غير منسوخ وأنه لا يحل أن نبتدئ فيها بالقتال لمن لم يقاتل. وقد كان القتال محظورا في الشهر الحرام بقوله: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد) [البقرة: 217] ثم نسخ بقوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5]. ومن الناس من يقول: هو غير منسوخ والحظر باق.
وأما قوله (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) فإنه أمر بقتل المشركين إذا ظفرنا بهم، وهي عامة في قتال سائر المشركين من قاتلنا منهم ومن لم يقاتلنا بعد أن يكونوا من أهل القتال، لأنه لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعن قتل أهل الصوامع، فإن كان المراد بقوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) الأمر بقتال من قاتلنا ممن هو أهل القتال دون من كف عنا منهم، وكان قوله: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) نهي عن قتال من لم يقاتلنا، فهي لا محالة منسوخة بقوله: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) لإيجابه قتل من حظر قتله في الآية الأولى بقوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) إذ كان الاعتداء في هذا الموضع هو قتال من لم يقاتل.
وقوله: (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) يعني والله أعلم: من مكة إن أمكنكم ذلك، لأنهم قد كانوا آذوا المسلمين بمكة حتى اضطروهم إلى الخروج فكانوا مخرجين لهم، وقد قال الله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) [الأنفال: 30] فأمرهم الله تعالى عند فرضه القتال بإخراجهم إذا تمكنوا من ذلك، إذ كانوا منهيين عن القتال فيها إلا أن يقاتلوهم، فيكون قوله: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) عاما في سائر المشركين إلا فيمن كان بمكة، فإنهم أمروا بإخراجهم منها إلا لمن قاتلهم، فإنه أمر بقتالهم حينئذ، والدليل على ذلك قوله في نسق التلاوة: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) فثبت أن قوله: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) فيمن كان بغير مكة.