هذا الاحتمال لم يجز تخصيص قوله تعالى: (قل هي مواقيت للناس والحج) به، إذ غير جائز لنا تخصيص العموم بالاحتمال. والوجه الآخر: أنه إن كان المراد إحرام الحج فليس فيه نفي لصحة الإحرام في غيرها، وإنما فيها إثبات الإحرام فيها، وكذلك نقول إن الإحرام جائز فيها بهذه الآية وجائز في غيرها بالآية الأخرى، إذ ليس في إحداهما ما يوجب تخصيص الأخرى به، والذي يقتضيه ظاهر اللفظ أن يكون المراد أفعال الحج لا إحرامه، إلا أن فيه ضمير حرف الظرف وهو (في) فمعناه حينئذ (الحج في أشهر معلومات) وفيه تخصيص أفعال الحج في هذه الأشهر دون غيرها. وكذلك قال أصحابنا فيمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج فطاف له وسعى بين الصفا والمروة قبل أشهر الحج (إن سعيه ذلك لا يجزيه وعليه أن يعيده، لأن أفعال الحج لا تجزي قبل أشهر الحج) فعلى هذا يكون معنى قوله: (الحج أشهر معلومات) أن أفعاله في أشهر الحج معلومات.
وقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) عموم في إحرام الحج لا في أفعال الحج الموجبة، وغير جائز أن يكون مراده في قوله: (قل هي مواقيت للناس والحج) أهلة مخصوصة بأشهر الحج، كما لا يجوز أن تكون هذه الأهلة في مواقيت الناس وآجال ديونهم وصومهم وفطرهم مخصوصة بأشهر الحج دون غيرها فلما ثبت عموم المراد في سائر الأهلة فيما تضمنه اللفظ من مواقيت الناس، وجب أن يكون ذلك حكمه في الحج، لأن الأهلة المذكورة لمواقيت الناس هي بعينها الأهلة المذكورة للحج. وعلى أنا لو حملناه على أفعال الحج وجعلناها مقصورة المعنى على المذكور في الآية في قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) لأدى ذلك إلى اسقاط فائدته وإزالة حكمه وتخصيص لفظه بغير دلالة توجب الاقتصار به على معنى قوله: (الحج أشهر معلومات)، فلما وجب أن يوفى كل لفظ حقه مما اقتضاه من الحكم والفائدة، وجب أن يكون محمولا على سائر الأهلة وأنها مواقيت لإحرام الحج. وسنتكلم في المسألة عند بلوغنا إليها إن شاء الله.
وقوله: (قل هي مواقيت للناس) قد دل على أن العدتين إذا وجبتا من رجل واحد يكتفى فيهما بمضيها لهما جميعا ولا تستأنف لكل واحد منهما حيضا ولا شهورا غير مدة الأخرى، لأن الله تعالى لم يخصص إحداهما حين جعلها وقتا لجميع الناس ببعضه دون بعض، ومضى مدة العدة هو وقت لكل واحدة منهما لقوله: (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) فجعل العدة حقا للزوج. ثم لما كانت العدة مرور الأوقات.
وقد جعل الله الأهلة وقتا للناس كلهم، وجب أن يكتفى بمضي واحدة للعدتين، ألا