فإن الله يغفر لهم، لأن قوله (فان انتهوا) شرط يقتضي جوابا. وهذا يدل على أن قاتل العمد له توبة، إذ كان الكفر أعظم مأثما من القتل، وقد أخبر الله أنه يقبل التوبة منه ويغفر له.
وقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) يوجب فرض قتال الكفار حتى يتركوا الكفر، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع بن أنس: (الفتنة ههنا الشرك). وقيل: إنما سمي الكفر فتنة لأنه يؤدي إلى الهلاك كما تؤدي إليه الفتنة.
وقيل: إن الفتنة هي الاختبار، والكفر عند الاختبار إظهار الفساد، وأما الدين فهو الانقياد لله بالطاعة، وأصله في اللغة ينقسم إلى معنيين، أحدهما: الانقياد، كقول الأعشى:
هو دان الرباب إذ كر هو الدين * دراكا بغزوة وصيال ثم دانت بعد الرباب وكانت * كعذاب عقوبة الأقوال والآخر: العادة، من قول الشاعر:
تقول وقد درأت لها وضيني * تعالى أهذا دينه أبدا وديني والدين الشرعي هو الانقياد لله عز وجل والاستسلام له على وجه المداومة والعادة وهذه الآية خاصة في المشركين دون أهل الكتاب، لأن ابتداء الخطاب جرى بذكرهم في قوله عز وجل: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) وذلك صفة مشركي أهل مكة الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم، وهذا يدل على أن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف، لقوله:
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يعني كفرا (ويكون الدين لله) ودين الله هو الاسلام، لقوله: (إن الدين عند الله الاسلام) [آل عمران: 19].
وقوله (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) المعنى: فلا قتل إلا على الظالمين. يعني والله أعلم: القتل المبدوء بذكره في قوله (وقاتلوهم) وسمى القتل الذي يستحقونه بكفرهم عدوانا لأنه جزاء الظلم فسمي باسمه، كقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40] وقوله: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وإن لم يكن الجزاء اعتداء ولا سيئة.
قوله تعالى: (الشهر عمر بالشهر الحرام والحرمات قصاص) روي عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام قال (نعم). وأراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) يعني إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم