الدلالة، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه، كما أن تخصيص من خصه بمساجد الأنبياء لما لم يكن عليه دليل سقط اعتباره.
فإن قيل: قوله عليه السلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس ومسجدي هذا) يدل على اعتبار تخصيص هذه المساجد، وكذلك قوله عليه السلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام) يدل على اختصاص هذين المسجدين بالفضيلة دون غيرهما. قيل له: لعمري أن هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم في تخصيصه المساجد الثلاثة في حال والمسجدين في حال دليل على تفضيلهما على سائر المساجد، وكذلك نقول كما قال عليه السلام، إلا أنه لا دلالة فيه على نفي جواز الاعتكاف في غيرهما كما لا دلالة على نفي جواز الجمعات والجماعات في غيرهما، فغير جائز لنا تخصيص عموم الآية بما لا دلالة فيه على تخصيصهما، وقول مالك في الرواية التي رويت عنه في تخصيص مساجد الجمعات دون مساجد الجماعات لا معنى له، وكما لا تمنع صلاة الجمعة في سائر المساجد كذلك لا يمتنع الاعتكاف فيها، فكيف صار الاعتكاف مخصوصا بمساجد الجمعات دون مساجد الجماعات؟
وقد اختلف الفقهاء في موضع اعتكاف النساء، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: (لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها، ولا تعتكف في مسجد جماعة). وقال مالك: (تعتكف المرأة في مسجد الجماعة) ولا يعجبه أن تعتكف في مسجد بيتها. وقال الشافعي: (العبد والمرأة والمسافر يعتكفون حيث شاؤوا لأنه لا جمعة عليهم).
قال أبو بكر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) فأخبر أن بيتها خير لها، ولم يفرق بين حالها في الاعتكاف وفي الصلاة. ولما أجاز للمرأة الاعتكاف باتفاق الفقهاء وجب أن يكون ذلك في بيتها لقوله عليه السلام:
(وبيوتهن خير لهن) فلو كانت ممن يباح لها الاعتكاف في المسجد لكان اعتكافها في المسجد أفضل ولم يكن بيوتهن خيرا لهن، لأن الاعتكاف شرطه الكون في المساجد لمن يباح له الاعتكاف فيه. ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام: (صلاة المرأة في دارها أفضل من صلاتها في مسجدها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في دارها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها). فلما كانت صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد كان اعتكافها كذلك.
ويدل على كراهة الاعتكاف في المساجد للنساء ما حدثنا محمد بن بكر قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية ويعلى بن عبيد،