هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته، فشرب منه ثم ناوله أم هانئ، فشربت منه ثم قالت: يا رسول الله أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: (أكنت تقضين شيئا؟) قالت: لا! قال: (فلا يضرك إن كان تطوعا...) فذكر في هذا الحديث أنه قال: (لا يضرك) وليس في ذلك نفي لوجوب القضاء، لأنا كذلك نقول أنه لم يضرها، لأنها لم تعلم أنه لا يجوز لها الإفطار، أو علمت ذلك ورأت اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالشرب والإفطار أولى من المضي فيه.
وحدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا يونس بن حبيب قال:
حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني جعدة - رجل من قريش وهو ابن أم هانئ وكان سماك بن حرب يحدثه - يقول: أخبرني ابنا أم هانئ - قال شعبة: فلقيت أنا أفضلهما جعدة فحدثني - عن أم هانئ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فناولته شرابا فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله إني كنت صائمة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الصائم المتطوع أمين نفسه - أو أمير نفسه - إن شاء صام وإن شاء أفطر) فقلت لجعدة:
سمعته أنت من أم هانئ؟ فقال: أخبرني أهلنا وأبو صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ.
ورواه سماك عمن سمع أم هانئ، وذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المتطوع قبل بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر). وروى سماك عن هارون بن أم هانئ عن أم هانئ، وقال فيه: (إن كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطري). ولم يذكر في شئ من هذه الأخبار نفي القضاء، وإنما ذكر فيه أن الصائم بالخيار وأنه أمين نفسه وأن له أن يفطر في التطوع، ولم يقل: لا قضاء عليك.
وهذا الاختلاف في متنه يدل على أنه غير مضبوط، ولو ثبتت هذه الألفاظ لم يكن فيها ما ينفي وجوب القضاء، لأن أكثر ما فيها إباحة الإفطار، وإباحة الإفطار لا تدل على سقوط القضاء.
وقوله: (الصائم أمين نفسه، والصائم بالخيار) جائز أن يريد به من أصبح ممسكا عما يمسك عنه الصائم من غير نية للصوم أنه بالخيار في أن ينوي صوم التطوع أو يفطر، والمسك عما يمسك عنه الصائم يسمى صائما كما قال عليه السلام يوم عاشوراء: (من أكل فليصم بقية يومه) ومراده الإمساك عما يمسك عنه الصائم، كذلك قوله: (الصائم بالخيار، والصائم أمين نفسه) هو على هذا المعنى، فإن وجد في بعض ألفاظ هذا الحديث (فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي) فإنما هو تأويل من الراوي لقوله: (لا يضرك، وإن شئت فأفطري، والصائم بالخيار) وإذا كان كذلك لم يثبت نفي القضاء بما ذكرت. على أنه لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نفي إيجاب القضاء من غير احتمال