فمتى أفسدها أو فسدت عليه بغير اختياره لزمه قضاؤها كسائر الواجبات. ويدل عليه حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) قال عكرمة: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق!
فصارت رواته عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة، وذلك يدل على معنيين: أحدهما إلزامه بالدخول فيه لأنه لم يفرق بين الفرض والنفل، والثاني: أنه وإن خرج منه بغير اختيار منه فإن القضاء واجب عليه. ويدل عليه أيضا ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حياة بن شريح عن ابن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا، فقال: (لا عليكما! صوما مكانه يوما آخر) وهذا يدل على وجوب القضاء في التطوع، لأنه لم يسألهما عن جهة صومهما. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال:
حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا القعنبي قال: حدثنا عبد الله بن عمر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعين، فأهدي لنا طعام فأفطرنا، فسألت حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اقضيا يوما مكانه). قال عبد الباقي:
وحدثنا عبد الله بن أسيد الأصبهاني الأكبر قال: حدثنا أزهر بن جميل قال: حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، عن عبد الله بن عمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحوه، قال عبد الباقي: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن الزهري: أن حفصة وعائشة، وذكر نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقضيا مكانه يوما) وأصحاب حديث يتكلمون في إسناد هذا الحديث بأشياء يطعنون بها فيه، أحدها: ما حدثنا به عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال: سمعت سفيان يحدثه عن الزهري فقيل للزهري: هو من حديث عروة؟ فقال الزهري: ليس هو من حديث عروة. قال الحميدي: وأخبرني غير واحد عن معمر أنه قال: لو كان من حديث الزهري ما نسيته. وهذا الذي ذكروه لا يبطله عندنا، لأنه جائز أن يريد الزهري بذلك أنه لم يسمعه من عروة وسمعه من غير عروة، وأكثر أحواله أن يكون مرسلا عن عروة، وإرساله لا يفسده عندنا، وأما قول معمر (لو كان من حديث الزهري ما نسيته) فليس بشئ، لأن النسيان جائز عليه في حديث الزهري كجوازه في حديث غيره، وأكثر أحواله أن لا يكون معمر قد سمعه من الزهري، وغير معمر قد سمعه من الزهري ورواه عنه، فلا يفسده أن لا يكون معمر قد رواه عنه، وقد رواه زميل مولى عروة عن عروة.
ويطعنون فيه أيضا بما ذكره ابن جريج أنه قال للزهري في هذا الحديث: أسمعته من