الله) [البقرة: 195] وقوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) التوبة: 34]. والذي يدل على أن المراد المفروض منها أنه قرنها إلى الصلاة المفروضة وإلى الإيمان بالله وكتابه، وجعل هذا الانفاق من شرائط التقوى ومن أوصافها. ويدل على أن المراد المفروض من الصلاة والزكاة أن لفظ الصلاة إذا أطلق غير مقيد بوصف أو شرط يقتضي الصلوات المعهودة المفروضة كقوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) [الاسراء: 78] (وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238] ونحو ذلك. فلما أراد بإطلاق اللفظ الصلاة المفروضة كان فيه دلالة على أن المراد بالإنفاق ما فرض عليه منه. ولما مدح هؤلاء بالإنفاق مما رزقهم الله دل ذلك على أن إطلاق اسم الرزق إنما يتناول المباح منه دون المحظور، وأن ما اغتصبه وظلم فيه غيره لم يجعله الله له رزقا، لأنه لو كان رزقا له لجاز إنفاقه وإخراجه إلى غيره على وجه الصدقة والتقرب به إلى الله تعالى. ولا خلاف بين المسلمين أن الغاصب محظور عليه الصدقة بما اغتصبه، وكذلك قال النبي عليه السلام: (لا تقبل صدقة من غلول). والرزق الحظ في اللغة. قال الله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) [الواقعة: 82] أي حظكم من هذا الأمر التكذيب به، وحظ الرجل هو نصيبه وما هو خالص له دون غيره، ولكنه في هذا الموضع هو ما منحه الله تعالى عباده وهو المباح الطيب.
وللرزق وجه آخر، وهو ما خلقه الله تعالى من أقوات الحيوان، فجائز إضافة ذلك إليه لأنه جعله قوتا وغذاء. وقوله تعالى في شأن المنافقين وإخباره عنهم بإظهار الإيمان للمسلمين من غير عقيدة وإظهار الكفر لإخوانهم من الشياطين في قوله: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) وقوله: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون) إلى قوله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) يحتج به في استتابة الزنديق الذي اطلع منه على أسرار الكفر متى أظهر الإيمان، لأن لله تعالى أخبر عنهم بذلك ولم يأمر بقتلهم، وأمر النبي عليه السلام بقبول ظاهرهم دون ما علمه هو تعالى من حالهم وفساد اعتقادهم وضمائرهم.
ومعلوم أن نزول هذه الآيات بعد فرض القتال لأنها نزلت بالمدينة، وقد كان الله تعالى فرض قتال المشركين بعد الهجرة. ولهذه الآية نظائر في سورة براءة وسورة محمد عليه السلام وغيرهما في ذكر المنافقين وقبول ظاهرهم دون حملهم على أحكام سائر المشركين الذين أمرنا بقتالهم. وإذا انتهينا إلى مواضعها ذكرنا أحكامها واختلاف الناس في الزنديق واحتجاج من يحتج بها في ذلك، وهو يظهر من قوله عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا