وفي هذه الآية دلالة على توحيد الله تعالى، وإثبات الصانع الذي لا يشبهه شئ، القادر الذي لا يعجزه شئ، وهو ارتفاع السماء ووقوفها بغير عمد، ثم دوامها على طول الدهر غير متزايلة في ولا متغير، كما قال تعالى: (وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء: 32] وكذلك ثبات الأرض ووقوفها على غير سند فيه أعظم الدلالة على التوحيد وعلى قدرة خالقها، وأنه لا يعجزه شئ، وفيها تنبيه وحث على الاستدلال بها على الله وتذكير بالنعمة.
وقوله تعالى: (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) نظير قوله: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقوله: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) [الجاثية:
13] وقوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الأعراف:
32] يحتج بجميع ذلك في أن الأشياء على الإباحة مما لا يحظره العقل، فلا يحرم منه شئ إلا ما قام دليله.
وقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) فيه أكبر دلالة على صحة نبوة نبينا عليه السلام من وجوه: أحدها أنه تحداهم بالإتيان بمثله، وقرعهم بالعجز عنه مع ما هم عليه من الأنفة والحمية، وأنه كلام موصوف بلغتهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم تعلم اللغة العربية، وعنهم أخذ، فلم يعارضه منهم خطيب، ولا تكلفه شاعر، مع بذلهم الأموال والأنفس في توهين أمره، وإبطال حججه، وكانت معارضته لو قدروا عليها أبلغ الأشياء في إبطال دعواه وتفريق أصحابه عنه، فلما ظهر عجزهم عن معارضته دل ذلك على أنه من عند الله الذي لا يعجز شئ، وأنه ليس في مقدور العباد مثله، وإنما أكبر ما اعتذروا به أنه من أساطير الأولين، وأنه سحر، فقال تعالى: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) [الطور: 34] وقال: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) [هود: 13] فتحداهم بالنظم دون المعنى في هذه الصورة، وأظهر عجزهم عنه فكانت هذه معجزة باقية لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قيام الساعة، أبان الله تعالى بها نبوة نبيه وفضله بها على سائر الأنبياء، لأن سائر معجزات الأنبياء تقضت بانقضائهم، وإنما يعلم كونها معجزة من طريق الإخبار، وهذه معجزة باقية بعده، كل من اعترض عليها بعده قرعناه بالعجز عنه،