النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، وكما سأل زكريا ربه أن يرزقه ولدا بقوله: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) مريم 6].
وقوله: (وكلوا واشربوا) إطلاق من حظر، كقوله: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) [الجمعة: 10]، وقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا) [المائدة: 2]، ونظائر ذلك من الإباحة الواردة بعد الحظر، فيكون حكم اللفظ مقصورا على الإباحة لا على الإيجاب ولا الندب.
وأما قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) قال أبو بكر: قد اقتضت الآية إباحة الأكل والشرب والجماع إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. روي أن رجالا منهم حملوا ذلك على حقيقة الخيط الأبيض والأسود وتبين أحدهما من الآخر، منهم عدي بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر قال: أبو داود قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا حصين بن نمير قال - وحدثنا أبو داود قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس المعنى عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) قال: أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرت فلم أتبين، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: (إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو الليل والنهار) قال عثمان: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار). قال: وحدثنا أبو محمد جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد اليماني قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم عن أبي غسان محمد بن مطرف قال: أخبرنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال: لما نزل قوله: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له، فأنزل الله بعد ذلك: (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار.
قال أبو بكر: إذا كان قوله (من الفجر) مبينا فيه فلا إلباس على أحد في أنه لم يرد به حقيقة الخيط، لقوله: (من الفجر) ويشبه أن يكون إنما اشتبه على عدي وغيره ممن حمل اللفظ على حقيقته قبل نزول قوله (من الفجر) وذلك لأن الخيط اسم للخيط المعروف حقيقة، وهو مجاز واستعارة في سواد الليل وبياض النهار. وجائز أن يكون ذلك قد كان شائعا في لغة قريش ومن خوطبوا به ممن كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية، وإن عدي بن حاتم ومن أشكل عليه ذلك لم يكونوا عرفوا هذه اللغة لأنه ليس كل