ذلك وقد توجهت نيته إلى ضرب من القرب، فواجب أن يحصل له ذلك، ثم أقل أحواله في ذلك إن لم يكن ثوابه مثل ثواب ناوي الفرض أن يكون أنقص منه، ونقصان الثواب لا يمنع جوازه عن الفرض، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليصلي الصلاة فيكتب له نصفها، ربعها، خمسها، عشرها) فأخبر بنقصان الثواب مع الجواز، ويدل على صحة ما ذكرنا من تعلق حكم اللفظ بالثواب والعقاب أو الحمد والذم، قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وزعم الشافعي أن من عليه حجة الاسلام فأحرم ينوي تطوعا، أنه يجزيه من حجة الاسلام، فأسقط نية التطوع وجعلها للفرض مع قوله إن فرض الحج على المهلة وإنه غير مستحق الفعل في وقت معين. وذلك أبعد في الجواز من صوم رمضان، لأن صوم رمضان مستحق العين في وقت لا يجوز له تقديمه عليه ولا تأخيره عنه، فترك ظاهر قوله على أصله (الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) ولم يلجأ فيه إلى نظر صحيح يعضد مقالته، وكان الواجب على أصلهم اعتبار ما يدعونه ظاهرا من هذا الخبر. وأما على أصلنا فقد بينا أن الاحتجاج به ساقط، وأوضحنا عن معناه ومقتضاه وأنه يوجب جوازه عن الفرض، فسلم لنا ما استدللنا به من الظواهر والنظر ولم يعترض عليه هذا الأثر.
وأما المسافر إذا صام رمضان عن واجب عليه، فإنما أجاز ذلك أبو حنيفة عما نوى، لأن فعل الصوم غير مستحق عليه في هذه الحال وهو مخير مع الإمكان من غير ضرر بين فعله وتركه فأشبه سائر أيام غير رمضان، فلما كان سائر الأيام جائزا لمن صامه عما نواه فكذلك حكم رمضان للمسافر، وعلى هذا ينبغي أنه متى نواه تطوعا أن يكون تطوعا على الرواية التي رويت، وهي أقيس الروايتين.
فإن قيل: على هذا يلزمه أن يجزي صوم المريض الذي يجوز له الإفطار عن غير رمضان بأن نواه تطوعا أو عن واجب عليه، للعلة التي ذكرتها في المسافر؟ قيل له:
لا يلزم ذلك لعدم العلة التي ذكرتها في المسافر، وذلك لأن المعنى الذي وجب القول في المسافر بما وصفناه وأنه مخير بين الصوم وتركه من غير ضرر يلحقه وأشبه ذلك حاله في غير رمضان، وأما المريض فليس كذلك لأنه لا يجوز له الفطر إلا مع خشية زيادة العلة والضرر اللاحق بالصوم، فهو لا يخلو من أن لا يضر به الصوم فعليه فعله، أو أن يضره فغير جائز له الصوم. فلما كان كذلك كان فعل الصوم مستحقا عليه أو تركه من غير تخيير، فمتى صامه وقع عن الفرض، إذ كانت إباحة الإفطار متعلقة بخشية الضرر، فمتى