فلا يجوز الاعتراض به على القرآن، قال الله تعالى: (يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فأوجب الصوم والإمساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر. وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم: (هو بياض النهار وسواد الليل) فكيف يجوز الأكل نهارا في الصوم مع تحريم الله تعالى إياه بالقرآن والسنة؟ ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت، لأنه لم يعز الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الأكل لا دلالة فيه على علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك منه وإقراره عليه، ولو ثبت أنه عليه السلام علم بذلك وأقره عليه احتمل أن يكون ذلك كان في آخر الليل قرب طلوع الفجر فسماه نهارا لقربه منه، كما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط قال: حدثنا معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض بن سارية قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال: (هلم إلى الغداء المبارك) فسمى السحور غداء لقربه من الغداء، كذلك لا يمتنع أن يكون حذيفة سمى الوقت الذي تسحر فيه نهارا لقربة من النهار.
قال أبو بكر: فقد وضح بما تلونا من كتاب الله وتوقيف نبيه صلى الله عليه وسلم أن أول وقت الصوم هو طلوع الفجر الثاني المعترض في الأفق وأن الفجر المستطيل إلى وسط السماء هو من الليل، والعرب تسميه ذنب السرحان. وقد اختلف أهل العلم في حكم الشاك في الفجر، فذكر أبو يوسف في الإملاء أن أبا حنيفة قال: (يدع الرجل السحور إذا شك في الفجر أحب إلي، فإن تسحر فصومه تام) وهو قولهم جميعا في الأصل، وقال: (إن أكل فلا قضاء عليه). وحكى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة (أنه إن أكل وهو شاك قضى يوما). وقال أبو يوسف: (ليس عليه في الشك قضاء). وقال الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: (أنه إن كان في موضع يستبين الفجر ويرى مطلعه من حيث يطلع وليس هناك علة فليأكل ما لم يستبن له الفجر، وهو قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) قال: وقال أبو حنيفة: (إن كان في موضع لا يرى فيه الفجر أو كانت مقمرة وهو يشك في الفجر فلا يأكل، وإن أكل فقد أساء، و إن كان أكبر رأيه إن أكل والفجر طالع قضى، وإلا لم يقض، وسواء كان في سفر أو حضر)، وهذا قول زفر وأبي يوسف، وبه نأخذ. وكذلك روي عنهم في الشك في غيبوبة الشمس على هذا الاعتبار.