يقتضي أن يكون آدم مفضلا مكرما، فذلك كظاهر الحمد إذا وقع لمن يستحق ذلك يحمل على الحقيقة ولا يحمل على ما يطلق من ذلك مجازا، كما يقال: أخلاق فلان محمودة ومذمومة، لأن حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته.
ويدل على أن الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم عليه السلام وتفضيله قول إبليس فيما حكى الله عنه (أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي) [الاسراء: 61 و 62] فأخبر إبليس أن امتناعه كان من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إياه بالسجود له، ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة لما كان لآدم في ذلك حظ ولا فضيلة تحسد، كالكعبة المنصوبة للقبلة. وقد كان السجود جائزا في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين، ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف عليه السلام، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد، وقد روي عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبار، وقد روي الكراهة إلا أن السجود لغير الله تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر بن عبد الله وأنس، أن النبي عليه السلام قال: (ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) من عظم حقه عليها) لفظ حديث أنس بن مالك.
قوله تعالى: (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به). قيل إن فائدة قوله (ولا تكونوا أول كافر به) وإن كان الكفر قبيحا من الأول والآخر منهيا عنه الجميع إن السابق إلى الكفر يقتدي به غيره. فيكون أعظم لمأثمه وكان وجرمه، كقوله تعالى (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) [العنكبوت: 13] وقوله: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) [المائدة، 32]. وروي عن النبي عليه السلام: (أن على ابن آدم القاتل كفلا من الإثم في كل قتيل ظلما، لأنه أول من سن القتل). وقال عليه السلام: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).
قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين). لا يخلو من أن يكون راجعا إلى صلاة معهودة وزكاة معلومة وقد عرفها، أو أن يكون متناولا صلاة مجملة وزكاة مجملة موقوفة على البيان، إلا أنا قد علمنا الآن أنه قد أريد بهما فيما خوطبنا به من هذه الصلوات المفروضة والزكوات الواجبة، إما لأنه كان ذلك معلوما عند المخاطبين في حال ورود الخطاب، أو أن يكون كان ذلك مجملا ورد بعده بيان المراد