به ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتخذ شئ من الحيوان غرضا فمنع بذلك أن يقتل القاتل رميا بالسهام.
وحكي أن القسم بن معن حضر مع شريك بن عبد الله عند بعض السلاطين فقال: ما تقول فيمن رمى رجلا بسهم فقتله؟ قال: يرمى فيقتل. قال: فإن لم يمت بالرمية الأولى؟
قال: يرمى ثانيا. قال: أفتتخذه غرضا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ شئ من الحيوان غرضا؟ قال شريك: لم يموق. فقال القسم: يا أبا عبد الله هذا ميدان إن سابقناك فيه سبقتنا، يعني البذاء، وقام.
ويدل عليه أيضا ما روى عمران بن حصين وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة).
وقال سمرة بن جندب: (ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا فيها بالصدقة ونهانا عن المثلة). وهذا خبر ثابت قد تلقاه الفقهاء بالقبول واستعملوه، وذلك يمنع المثلة بالقاتل، وقول مخالفينا فيه المثلة به، وهو يثني عن مراد الآية في إيجاب القصاص واستيفاء المثل، فوجب أن يكون القصاص مقصورا على وجه لا يوجب المثلة ويستعمل الآية على وجه لا يخالف معنى الخبر. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثل بالعرنيين فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا ثم نسخ سمل الأعين بنهيه عن المثلة، فوجب على هذا أن يكون معنى أية القصاص محمولا على ما لا مثلة فيه واحتج مخالفونا في ذلك بحديث همام عن قتادة عن أنس: (أن يهوديا رضخ رأس صبي بين حجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضخ رأسه بين حجرين). وهذا الحديث لو ثبت كان منسوخا بنسخ المثلة، وذلك لن النهي عن المثلة مستعمل عند الجميع والقود على هذا الوجه مختلف فيه، ومتى ورد عنه عليه السلام خبران واتفق الناس على استعمال أحدهما واختلفوا في استعمال الآخر كان المتفق عليه منهما قاضيا على المختلف فيه خاصا كان أو عاما، ومع ذلك فجائز أن يكون قتل اليهودي على وجه الحد كما روى شعبة عن هشام بن زيد عن أنس قال: عدا يهودي على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق، فقال عليه السلام: (من قتلك فلان؟) فأشارت برأسها أي لا. ثم قال: (فلان؟) يعني اليهودي، قالت: نعم! فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين. فجائز أن يكون قتله حدا لما أخذ المال وقتل، وقد كان ذلك جائزا على وجه المثلة كما سمل العرنيين ثم نسخ بالنهي عن المثلة. وقد روى ابن جريج عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس: (أن رجلا من اليهود رضخ رأس جارية على حلي لها فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجم حتى قتل) فذكر في هذا