الكثير تلحقه، فكان طريق الفصل فيها الاجتهاد وغالب الرأي مع ما كانوا عرفوا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (الثلث والثلث كثير) و (أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس).
واختلف الناس في الوصية المذكورة في هذه الآية هل كانت واجبة أم لا؟ فقال قائلون: (إنها لم تكن واجبة وإنما كانت ندبا وإرشادا). وقال آخرون: (قد كانت فرضا ثم نسخت) على الاختلاف منهم في المنسوخ منها. واحتج من قال: (أنها لم تكن واجبة) بأن في سياق الآية وفحواها دلالة على نفي وجوبها، وهو قوله: (الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف) فلما قيل فيها (بالمعروف) وإنها على المتقين دل على أنها غير واجبة من ثلاثة أوجه، أحدها: قوله (بالمعروف) لا يقتضي الإيجاب، والآخر: قوله (على المتقين) وليس يحكم على كل أحد أن يكون من المتقين، الثالث:
تخصيصه للمتقين بها، والواجبات لا يختلف فيها المتقون وغيرهم.
قال أبو بكر: ولا دلالة فيما ذكره هذا القائل على نفي وجوبها، لأن إيجابها بالمعروف لا ينفي وجوبها، لأن المعروف معناه العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير، كقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [البقرة: 233] ولا خلاف في وجوب هذا الرزق والكسوة وقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء:
19] بل المعروف هو الواجب، قال الله تعالى: (وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر) [لقمان: 17] وقال: (يأمرون بالمعروف) [التوبة: 71]. فذكر المعروف فيما أوجب الله تعالى من الوصية لا ينفي وجوبها بل هو يؤكد وجوبها، إذ كان جميع أوامر الله معروفا غير منكر. ومعلوم أيضا أن ضد المعروف هو المنكر، وأن ما ليس بالمعروف هو منكر، والمنكر مذموم مزجور عنه، فإذا المعروف واجب. وأما قوله: (حقا على المتقين) ففيه تأكيد لإيجابها، على لأن على الناس أن يكونوا متقين، قال الله تعالى: (أيها الذين آمنوا اتقوا الله) [البقرة: 187] ولا خلاف بين المسلمين أن تقوى الله فرض، فلما جعل تنفيذ هذه الوصية من شرائط التقوى فقد أبان عن إيجابها. وأما تخصيصه المتقين بالذكر فلا دلالة فيه على نفي وجوبها، وذلك لأن أقل ما فيه اقتضاء الآية وجوبها على المتقين وليس فيه نفيها عن غير المتقين، كما أنه ليس في قوله: (هدى للمتقين) [البقرة: 2] نفي أن يكون هدى لغيرهم. وإذا وجبت على المتقين بمقتضى الآية وجبت على غيرهم، وفائدة تخصيصه المتقين بالذكر أن فعل ذلك من تقوى الله، وعلى الناس أن يكونوا كلهم متقين، فإذا عليهم فعل ذلك.
ودلالة الآية ظاهرة في إيجابها وتأكيد فرضها، لأن قوله: (كتب عليكم) معناه