الديات، فأمروا به بالاتباع بالمعروف وأمر القاتل بالأداء إليهم بإحسان، ويكون على اختلاف فيه بيان حكم الدم إذا عفا عنه بعض الأولياء. فهذه الوجوه كلها على اختلاف معانيها تحتملها الآية وهي مرادة من غير اسقاط شئ من لفظها.
فإن قال قائل: وما تأوله المخالفون في إيجاب الدية للولي باختياره من غير رضى القاتل تحتمله الآية، فوجب أن يكون مرادا، إذ ليس فيه نفي لتأويلات الآخرين، ويكون قوله: (فمن عفي له) معناه أنه ترك له، من قولهم: (عفت المنازل) إذا تركت حتى درست، والعفو عن الذنوب ترك العقوبة عليها، فيفيد ذلك ترك القود إلى الدية. قيل له:
إن كان كذلك فينبغي أن يكون لو ترك الدية وأخذ القود أن يكون عافيا، لأنه تارك لأخذ الدية، وقد يسمى ترك المال وإسقاطه عفوا، قال الله: (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح) [البقرة: 237] فأطلق اسم العفو على الإبراء من المال. ومعلوم عند الجميع امتناع إطلاق العفو على من آثر أخذ القود وترك أخذ الدية، فكذلك العادل عن القود إلى أخذ الدية لا يستحق اسم العافي، إذ كان إنما اختار أحد الشيئين كان مخيرا في اختيار أيهما شاء، لأن من كان مخيرا بين أحد شيئين فاختار أحدهما كان الذي اختاره هو حقه الواجب له قد تعين عليه حكمه عند فعله كأنه لم يكن غيره، ألا ترى أن من اختار التكفير بالعتق في كفارة اليمين كان العتق هو كفارته كأنه لم يكن غيره وسقط عنه حكم ما عداه أن يكون من فرضه؟ كذلك هذا الولي لو كان مخيرا في أحد شيئين من قود أو مال ثم اختار أحدهما لم يستحق اسم العافي لتركه أحدهما إلى الآخر. فلما كان اسم العفو منتفيا عمن ذكرنا حاله لم يجز تأويل الآية عليه، وكانت المعاني التي قدمنا ذكرها أولى بتأويلها. ثم ليس يخلو الواجب للولي بنفس القتل أن يكون القود والدية جميعا أو القود دون الدية أو أحدهما على وجه التخيير. لا جائز أن يكون حقه الأمرين جميعا بالاتفاق، ولا يجوز أيضا أن يكون الواجب أحدهما على حسب ما يختاره الولي كما في كفارة اليمين ونحوها، لما بينا من أن الذي أوجبه الله تعالى في الكتاب هو القصاص، وفي إثبات التخيير بينه وبين غيره زيادة في النص ونفي لإيجاب القصاص، ومثله عندنا يوجب النسخ، فإذا الواجب هو القود لا غيره، فلا جائز له أخذ المال إلا برضى القاتل، لأن كل من له قبل غيره حق يمكن استيفاءه منه لم يجز له نقله إلى بدل غيره إلا برضى من عليه الحق. وعلى أن قائل هذا القول مخطئ في العبارة حين قال: (الواجب هو القود وله أن يأخذ المال) لأنه لم يخرجه من أن يكون مخيرا فيه، إذ قد جعل له أن يستوفي الوقد إن شاء وإن شاء المال، فلو قال قائل: (الواجب هو المال وله نقله إلى القود بدلا منه) كان مساويا له، فلما فسد قول هذا القائل من أن