وكالجراحة عبد فيما دون النفس ولا يستطاع فيها القصاص نحو قطع اليد من نصف الساعد والمنقلة والجائفة، فالعامد والمخطئ إذا قتلا أن على العامد نصف الدية في ماله والمخطئ على عاقلته، وهو قول أصحابنا وعثمان البتي والثوري والشافعي. وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك: (هي على العاقلة) وهو آخر قول مالك. قال ابن القاسم:
(ولو قطع يمين رجل ولا يمين له كانت دية اليد في ماله ولا تحملها العاقلة). وقال الأوزاعي: (هو في مال الجاني فإن لم يبلغ ذلك ماله حمل على عاقلته، وكذلك إذ قتلت المرأة زوجها متعمدة ولها منه أولاد فديته في مالها خاصة، فإن لم يبلغ ذلك مالها حمل على عاقلتها).
قال أبو بكر: دلالة الآية ظاهرة على أن الصلح عن دم العمد وسقوط القود بعفو بعض الأولياء يوجب الدية في مال الجاني، لأنه تعالى قال: (فمن عفي له من أخيه شئ) وهو يعني القاتل إذا كان المعني عفو بعض الأولياء، ثم قال: (فاتباع بالمعروف) يعني اتباع الولي للقاتل، ثم قال: (وأداء إليه بإحسان) يعني أداء القاتل، فاقتضى ذلك وجوبه في مال القاتل. وكذلك تأويل من تأوله على التراضي عن الصلح على مال ففيه وجوب الأداء على القاتل دون غيره، إذ ليس للعاقلة ذكر في الآية وإنما فيها ذكر الولي والقاتل. وروى ابن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا.
وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا أحمد بن الفضل الخطيب قال: حدثنا إسماعيل بن موسى قال: حدثنا شريك عن جابر بن عامر قال: (اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا). وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة قتادة بن عبد الله المدلجي الذي قتل ابنه: (أن عمر جعل عليه مائة من الإبل وأعطاها أخوته ولم يورثه منها شيئا) فجعل ذلك في ماله لما كان عمدا. ولما ثبت ذلك في النفس ولم يخالف عمر فيه غيره من الصحابة كان كذلك حكم ما دونها إذا سقط القصاص.
وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: (ليس على العاقلة عقل في عمد وإنما عليهم الخطأ) وقال عروة أيضا: (ما كان من صلح فلا تعقله العشيرة إلا أن تشاء). وقال قتادة: (كل شئ لا يقاد منه فهو في مال الجاني). وقال أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم: (لا تعقل العاقلة صلحا ولا عمدا ولا اعترافا).
وقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) فيه إخبار من الله تعالى في إيجاب القصاص حياة للناس وسببا لبقائهم، لأن من قصد قتل انسان رده عن ذلك علمه بأنه يقتل به. ودل على وجوب القصاص عموما بين الحر والعبد والرجل والمرأة