قراءة السورة في غير الصلاة بدأ بها، فلذلك إذا قرأ قبلها سورة غيرها. وقد روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت علي سورة آنفا) ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ (إنا أعطيناك الكوثر) [الكوثر:] إلى آخرها حتى ختمها. وروى أبو بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم آ لر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) [الحجر: 1] فهذا يدل على أنه عليه السلام قد كان يبتدئ قراءة السورة في غير الصلاة بها، وكان سبيلها أن يكون كذلك حكمها في الصلاة. وقد روى عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يفتتح أم القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم ويفتتح السورة ببسم الله الرحمن الرحيم. وروى جرير عن المغيرة، قال: أما إبراهيم فقرأ في صلاة المغرب: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) [الفيل: 1] حتى إذا ختمها وصل بخاتمتها (لإيلاف قريش) [قريش: 1] ولم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم.
فصل وأما الجهر بها فإن أصحابنا والثوري قالوا: يخفيها. وقال ابن أبي ليلى: إن شاء جهر وإن شاء أخفى. وقال الشافعي: يجهر بها. وهذا الاختلاف إنما هو في الإمام إذا صلى صلاة يجهر فيها بالقراءة. وقد روي عن الصحابة فيها اختلاف كثير، فروى عمر بن ذر عن أبيه، قال: صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وروى حماد عن إبراهيم، قال: كان عمر يخفيها ثم يجهر بفاتحة الكتاب. وروى عنه أنس مثل ذلك.
قال إبراهيم: كان عبد الله بن مسعود وأصحابه يسرون قراءة بسم الله الرحمن الرحيم لا يجهرون بها. وروى أنس أن أبا بكر وعمر كانا يسران ببسم الله الرحمن الرحيم. وكذلك روى عنه عبد الله بن المغفل. وروى المغيرة عن إبراهيم، قال: جهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة بدعة. وروى جرير عن عاصم الأحول، قال: ذكر لعكرمة الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، فقال أنا إذ أعرابي، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة، قال: بلغني عن ابن مسعود، قال: الجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم أعرابية. وروى حماد بن زيد عن كثير، قال: سئل الحسن عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، فقال: إنما يفعل ذلك الأعراب. واختلفت الرواية عن ابن عباس، فروى شريك عن عاصم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه جهر بها، وهذا يحتمل أن يكون في غير الصلاة. وروى عبد الملك بن أبي حسين عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: ذلك فعل الأعراب. وروي عن علي أنه عدها آية، وأنه قال: هي تمام السبع المثاني، ولم يثبت عنه الجهر بها في الصلاة. وقد روى أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد عن أبي وائل، قال: كان عمر وعلي لا يجهران ببسم الله