فصل وأما القول في أنها آية أو ليست بآية، فإنه لا خلاف أنها ليست بآية تامة في سورة النمل، وأنها هناك بعض آية، وإن ابتداء الآية من قوله تعالى (إنه من سليمان) [النمل:
30] ومع ذلك فكونها ليست آية تامة في سورة النمل لا يمنع أن تكون آية في غيرها لوجودها مثلها في القرآن. ألا ترى أن قوله: (الرحمن الرحيم) في أضعاف الفاتحة هو آية تامة، وليست بآية تامة من قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) عند الجميع. وكذلك قوله:
(الحمد لله رب العالمين) هي آية تامة في الفاتحة وهي بعض آية في قوله تعالى: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) [يونس: 10]. وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية في فصول السور واحتمل أن تكون آية على حسب ما ذكرنا. وقد دللنا على أنها ليست من الفاتحة، فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل، لأن التي في سورة النمل ليست بآية تامة.
والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة فعدها آية. وفي لفظ آخر أن النبي عليه السلام كان يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، رواه الهيثم بن خالد عن أبي عكرمة عن عمرو بن هارون عن أبي مليكة عن أم سلمة عن النبي عليه السلام.
وروى أيضا أسباط عن السدي عن عبد خير عن علي أنه كان يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية. وعن ابن عباس مثله. وروى عبد الكريم عن أبي أمية البصري عن ابن أبي بردة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان عليه السلام غيري) فمشى واتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد وأخرج إحدى رجليه من أسكفة الباب وبقيت الرجل الأخرى، ثم اقبل علي بوجهه، فقال: (بأي شئ تفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟) فقلت: ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: ثم خرج.
قال أبو بكر: فثبت بما ذكرنا أنها آية، إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها في نفي كونها آية. فإن قال قائل: يلزمك على ما أصلت أن لا تثبتها آية بأخبار الآحاد حسب ما قلته في نفي كونها آية من أوائل السور، قيل له: لا يجب ذلك من قبل أنه ليس على النبي صلى الله عليه وسلم توقيف الأمة على مقاطع الآي