إنه إنما عني بذلك أنه رب عالمي زمان محمد دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده، كالذي زعم قائل هذا القول إنه عنى به عالم الدنيا دون عالم الآخرة من دلالة. فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
وأما الزاعم أن تأويل قوله: مالك يوم الدين أنه الذي يملك إقامة يوم الدين، فإن الذي ألزمنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم، إذ كانت إقامة القيامة إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك في الدار التي أعد الله لهم فيها ما أعد.
وهم العالمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله: رب العالمين.
وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ: مالك يوم الدين فإنه أراد: يا مالك يوم الدين، فنصبه بنية النداء والدعاء، كما قال جل ثناؤه: * (يوسف أعرض عن هذا) * بتأويل:
يا يوسف أعرض عن هذا. وكما قال الشاعر من بني أسد، وهو شعر فيما يقال جاهلي:
إن كنت أزننتني بها كذبا * جزء، فلاقيت مثلها عجلا يريد: يا جزء. وكما قال الآخر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها * بني شاب قرناها تصر وتحلب يريد: يا بني شاب قرناها.
وإنما أورطه في قراءة ذلك بنصب الكاف من مالك على المعنى الذي وصفت حيرته في توجيه قوله: إياك نعبد وإياك نستعين وجهته مع جره: مالك يوم الدين وخفضه، فظن أنه لا يصح معنى ذلك بعد جره: مالك يوم الدين فنصب: مالك يوم الدين ليكون إياك نعبد له خطابا، كأنه أراد: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد، وإياك نستعين. ولو كان علم تأويل أول السورة وأن الحمد لله رب العالمين، أمر من الله عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عباس: أن جبريل قال للنبي (ص)، عن الله: قل