الدين، وهو وصفه بأنه الملك. فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب وأحق التأويلين بالكتاب: قراءة من قرأه: ملك يوم الدين، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين، دون قراءة من قرأ: مالك يوم الدين بمعنى: أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفردا به دون سائر خلقه.
فإن ظن ظان أن قوله: رب العالمين نبأ عن ملكه إياهم في الدنيا دون الآخرة يوجب وصله بالنبأ عن نفسه أنه قد ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إياهم في الدنيا بقوله:
مالك يوم الدين، فقد أغفل وظن خطأ وذلك أنه لو جاز لظان أن يظن أن قوله: رب العالمين محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الآخرة مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل، أو في خبر عن الرسول (ص) به منقول، أو بحجة موجودة في المعقول، لجاز لآخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله: رب العالمين دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين، إذ كان صحيحا بما قد قدمنا من البيان أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده. فإن غبي عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء، فإن في قول الله جل ثناؤه: * (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين) * دلالة واضحة على أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالم الزمان الذي بعده. إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد (ص) على سائر الأمم الخالية، وأخبرهم بذلك في قوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية. فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا، لم يكونوا مع تكذيبهم به (ص) أفضل العالمين، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة، المؤمنون به المتبعون منهاجه، دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه. فإذ كان بينا فساد تأويل متأول لو تأول قوله: رب العالمين أنه معني به: أن الله رب عالمي زمن نبينا محمد (ص) دون عالمي سائر الأزمنة غيره، كان واضحا فساد قول من زعم أن تأويله: رب عالم الدنيا دون عالم الآخرة، وأن مالك يوم الدين استحق الوصل به ليعلم أنه في الآخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا. ويسأل زاعم ذلك الفرق بينه وبين متحكم مثله في تأويل قوله: رب العالمين تحكم، فقال: