أن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة، مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا، من الافضال والاحسان إلى جميعهم، في البسط في الرزق، وتسخير السحاب بالغيث، وإخراج النبات من الأرض، وصحة الأجسام والعقول، وسائر النعم التي لا تحصى، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون. فربنا جل ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدنيا والآخرة، ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة.
فأما الذي عم جميعهم به في الدنيا من رحمته، فكان رحمانا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لاحد من خلقه، كما قال جل ثناؤه: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) *. وأما في الآخرة، فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته. فكان لهم رحمانا. تسويته بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه، فلا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، وتوفى كل نفس ما كسبت.
فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته الذي كان به رحمانا في الآخرة.
وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته الذي كان به رحيما لهم فيها، كما قال جل ذكره: وكان بالمؤمنين رحيما فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم، فخصهم به دون من خذله من أهل الكفر به.
وأما ما خصهم به في الآخرة، فكان به رحيما لهم دون الكافرين. فما وصفنا آنفا مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم والكرامة التي تقصر عنها الأماني. وأما القول الآخر في تأويله، فهو ما:
123 - حدثنا به أبو كريب. قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: الرحمن الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب. قال: الرحمن الرحيم: الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه. وكذلك أسماؤه كلها.
وهذا التأويل من ابن عباس، يدل على أن الذي به ربنا رحمن هو الذي به رحيم، وإن كان لقوله الرحمن من المعنى ما ليس لقوله الرحيم لأنه جعل معنى الرحمن بمعنى الرقيق على من رق عليه، ومعنى الرحيم بمعنى الرفيق بمن رفق به.
والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي (ص) وذكرناه عن العرزمي، أشبه بتأويله