وقد روينا الخبر الذي قدمنا ذكره مبتدأ في تنزيل قول الله: الحمد لله رب العالمين عن ابن عباس، وأنه كان يقول: إن جبريل قال لمحمد: قل يا محمد: الحمد لله رب العالمين. وبينا أن جبريل إنما علم محمدا (ص) ما أمر بتعليمه إياه. وهذا الخبر ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: * (رب) *.
قال أبو جعفر: قد مضى البيان عن تأويل اسم الله الذي هو الله في بسم الله، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع. وأما تأويل قوله رب، فإن الرب في كلام العرب متصرف على معان: فالسيد المطاع فيها يدعى ربا، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يوما رب كندة وابنه * ورب معد بين خبت وعرعر يعني رب كندة: سيد كندة. ومنه قول نابغة بني ذبيان:
تخب إلى النعمان حتى تناله * فدى لك من رب طريفي وتالدي والرجل المصلح للشئ يدعى ربا. ومنه قول الفرزدق بن غالب:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت * سلاها في أديم غير مربوب يعني بذلك في أديم غير مصلح. ومن ذلك قيل: إن فلانا يرب صنيعته عند فلان، إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
فكنت امرأ أفضت إليك ربابتي * وقبلك ربتني فضعت ربوب يعني بقوله أفضت إليك: أي وصلت إليك ربابتي، فصرت أنت الذي ترب أمري