فإن قال لنا قائل: فما معنى قول لبيد هذا عندك؟ قيل له: يحتمل ذلك وجهين، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله. أحدهما: أن السلام اسم من أسماء الله فجائز أن يكون لبيد عنى بقوله: ثم اسم السلام عليكما: ثم الزما اسم الله وذكره بعد ذلك، ودعا ذكري والبكاء علي على وجه الاغراء. فرفع الاسم، إذا وأخر الحرف الذي يأتي بمعنى الاغراء. وقد تفعل العرب ذلك إذا أخرت الاغراء وقدمت المغرى به، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخر. ومن ذلك قول الشاعر:
يا أيها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا فأغرى ب دونك وهي مؤخرة وإنما معناه: دونك دلوي. فكذلك قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما يعني: عليكما اسم السلام، أي: الزما ذكر الله، ودعا ذكري والوجد بي لان من بكى حولا على امرئ ميت فقد اعتذر. فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر منهما: ثم تسميتي الله عليكما، كما يقول القائل للشئ يراه فيعجبه:
اسم الله عليك يعوذه بذلك من السوء، فكأنه قال: ثم اسم الله عليكما من السوء. وكأن الوجه الأول أشبه المعنيين بقول لبيد.
ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أن معناه: ثم السلام عليكما: أترى ما قلنا من هذين الوجهين جائزا، أو أحدهما، أو غير ما قلت فيه؟ فإن قال: لا أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب، وأغنى خصمه عن مناظرته. وإن قال: بلى قيل له: فما برهانك على صحة ما ادعيت من التأويل أنه الصواب دون الذي ذكرت أنه محتمله من الوجه الذي يلزمنا تسليمه لك؟ ولا سبيل إلى ذلك. وأما الخبر الذي:
116 - حدثنا به إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة، عمن حدثه عن ابن مسعود، ومسعر بن كدام، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه، فقال له المعلم: اكتب بسم فقال له عيسى: