يريد: في إطالتي رجاءك. ومنه قول الآخر:
أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم يريد إصابتكم. والشواهد في هذا المعنى تكثر، وفيما ذكرنا كفاية، لمن وفق لفهمه.
فإذا كان الامر على ما وصفنا من اخراج العرب مصادر الأفعال على غير بناء أفعالها كثيرا، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودا فاشيا، تبين بذلك صواب ما قلنا من التأويل في قول القائل: بسم الله، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول: أبدأ بتسمية الله، قبل فعلي، أو قبل قولي.
وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم إنما معناه: أقرأ مبتدئا بتسمية الله، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله فجعل الاسم مكان التسمية، كما جعل الكلام مكان التكليم، والعطاء مكان الاعطاء.
وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك، روي الخبر عن عبد الله بن عباس.
115 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أول ما نزل جبريل على محمد (ص)، قال: يا محمد، قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم.
قال ابن عباس: بسم الله، يقول له جبريل: يا محمد اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله.
وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا من أنه يراد بقول القائل مفتتحا قراءته: بسم الله الرحمن الرحيم: أقرأ بتسمية الله وذكره، وافتتح القراءة بتسمية الله، بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى وفساد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله: بالله الرحمن الرحيم في كل شئ، مع أن العباد إنما أمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمورهم بتسمية الله لا بالخبر عن عظمته وصفاته، كالذي أمروا به من التسمية على الذبائح والصيد، وعند المطعم والمشرب، وسائر أفعالهم، وكذلك الذي أمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله وصدور رسائلهم وكتبهم.