وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك، هو معنى قول ابن عباس، الذي:
114 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد، قال: يا محمد، قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم قال: قال له جبريل: قل بسم الله يا محمد. يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فإن كان تأويل قوله بسم الله ما وصفت، والجالب الباء في بسم الله ما ذكرت، فكيف قيل بسم الله، بمعنى اقرأ بسم الله، أو أقوم أو أقعد بسم الله؟ وقد علمت أن كل قارئ كتاب الله، فبعون الله وتوفيقه قراءته، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلا، فبالله قيامه وقعوده وفعله؟ وهلا إذا كان ذلك كذلك، قيل: بالله الرحمن الرحيم، ولم يقل بسم الله فإن قول القائل: أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم، أو أقرأ بالله، أوضح معنى لسامعه من قوله بسم الله، إذ كان قوله أقوم وأقعد بسم الله، يوهم سامعه أن قيامه وقعوده بمعنى غير الله.
قيل له: إن المقصود إليه من معنى ذلك، غير ما توهمته في نفسك. وإنما معنى قوله بسم الله: أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شئ، أو أقرأ بتسمية الله، أو أقوم وأقعد بتسمية الله وذكره لا أنه يعني بقيله بسم الله: أقوم بالله، أو أقرأ بالله فيكون قول القائل:
أقرأ بالله، أو أقوم وأقعد بالله، أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله بسم الله.
فإن قال: فإن كان الامر في ذلك على ما وصفت، فكيف قيل بسم الله وقد علمت أن الاسم اسم، وأن التسمية مصدر من قولك سميت؟.
قيل: إن العرب قد تخرج المصادر مبهمة على أسماء مختلفة، كقولهم: أكرمت فلانا كرامة، وإنما بناء مصدر أفعلت إذا أخرج على فعله: الأفعال، وكقولهم: أهنت فلانا هوانا، وكلمته كلاما. وبناء مصدر فعلت التفعيل، ومن ذلك قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عني * وبعد عطائك المائة الرتاعا يريد: إعطائك. ومنه قول الآخر:
وإن كان هذا البخل منك سجية * لقد كنت في طولي رجاءك أشعبا