الموصوف بالاسم المبني على أصله من فعل ويفعل إذا كانت التسمية به مدحا أو ذما. فهذا ما في قول القائل الرحمن من زيادة المعنى على قوله: الرحيم في اللغة.
وأما من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التأويل اختلاف.
121 - فحدثني السري بن يحيى التميمي، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال:
سمعت العرزمي يقول: الرحمن الرحيم قال: الرحمن بجميع الخلق. الرحيم قال:
بالمؤمنين.
122 - وحدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود، ومسعر بن كدام، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد يعني الخدري قال: قال رسول الله (ص): إن عيسى ابن مريم قال: الرحمن: رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم: رحيم الآخرة.
فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو رحمن، وتسميته باسمه الذي هو رحيم. واختلاف معنى الكلمتين، وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فدل أحدهما على أن ذلك في الدنيا، ودل الآخر على أنه في الآخرة.
فإن قال: فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة؟ قيل: لجميعهما عندنا في الصحة مخرج، فلا وجه لقول قائل: أيهما أولى بالصحة. وذلك أن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن، دون الذي في تسميته بالرحيم هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه، إما في كل الأحوال، وإما في بعض الأحوال. فلا شك إذا كان ذلك كذلك، أن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعا. فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم في توفيقه إياهم لطاعته، والايمان به وبرسله، واتباع أمره واجتناب معاصيه مما خذل عنه من أشرك به فكفر، وخالف ما أمره به وركب معاصيه، وكان مع ذلك قد جعل جل ثناؤه ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين لمن آمن به وصدق رسله وعمل بطاعته خالصا دون من أشرك وكفر به كان بينا