فقال: ألا إن جيراني العشية فابتدأ الخبر عن جماعة جيرانه، ثم قال: رائح لان قصده في ابتدائه ما ابتدأ به من كلامه الخبر عن واحد منهم دون جماعتهم. وكما قال جميل أيضا في كلمته الأخرى:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما * قتيلا بكى من حب قاتله قبلي وهو يريد قاتلته لأنه إنما يصف امرأة فكني باسم الرجل عنها وهو يعنيها. فكذلك قوله: ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وإن كان ظاهر الكلام على وجه الخطاب للنبي (ص)، فإنه مقصود به قصد أصحابه وذلك بين بدلالة قوله: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل الآيات الثلاث بعدها على أن ذلك كذلك. أما قوله: له ملك السماوات والأرض ولم يقل ملك السماوات، فإنه عنى بذلك ملك السلطان والمملكة دون الملك، والعرب إذا أرادت الخبر عن المملكة التي هي مملكة سلطان قالت: ملك الله الخلق ملكا، وإذا أرادت الخبر عن الملك قالت: ملك فلان هذا الشئ فهو يملكه ملكا وملكة وملكا.
فتأويل الآية إذا: ألم تعلم يا محمد أن لي ملك السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري أحكم فيهما وفيما فيهما ما أشاء وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء، وأنهي عما أشاء، وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي ما أشاء إذا أشاء، وأقر منها ما أشاء؟ هذا الخبر وإن كان من الله عز وجل خطابا لنبيه محمد (ص) على وجه الخبر عن عظمته، فإنه منه جل ثناؤه تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة وجحدوا نبوة عيسى، وأنكروا محمدا (ص)، لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغيير ما غير الله من حكم التوراة. فأخبرهم الله أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما، فإن الخلق أهل مملكته وطاعته، عليهم السمع له والطاعة لامره ونهيه، وإن له أمرهم بما شاء ونهيهم عما شاء، ونسخ ما شاء وإقرار ما شاء، وإنساء ما شاء من أحكامه وأمره ونهيه. ثم قال لنبيه (ص) وللمؤمنين معه: انقادوا لأمري، وانتهوا إلى طاعتي فيما أنسخ وفيما أترك، فلا أنسخ من أحكامي وحدودي وفرائضي، ولا يهولنكم خلاف مخالف لكم في أمري ونهيي وناسخي ومنسوخي، فإنه لا قيم بأمركم سواي، ولا ناصر لكم غيري، وأنا المنفرد بولايتكم والدفاع عنكم، والمتوحد بنصرتكم بعزي وسلطاني وقوتي على من ناوأكم وحادكم ونصب حرب العداوة بينه وبينكم، حتى أعلي حجتكم، وأجعلها عليهم لكم. والولي معناه فعيل، من