ظهور الخطاب للنبي (ص)، فإنما هو معني به أصحابه الذين قال الله جل ثناؤه: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا. والذي يدل على أن ذلك كذلك قوله جل ثناؤه: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير فعاد بالخطاب في آخر الآية إلى جميعهم، وقد ابتدأ أولها بخطاب النبي (ص) بقوله: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض لان المراد بذلك الذين وصفت أمرهم من أصحابه، وذلك من كلام العرب مستفيض بينهم فصيح. أن يخرج المتكلم كلامه على وجه الخطاب منه لبعض الناس وهو قاصد به غيره، وعلى وجه الخطاب لواحد وهو يقصد به جماعة غيره، أو جماعة والمخاطب به أحدهم وعلى وجه الخطاب للجماعة والمقصود به أحدهم، من ذلك قول الله جل ثناؤه: يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ثم قال: واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا فرجع إلى خطاب الجماعة، وقد ابتدأ الكلام بخطاب النبي (ص). ونظير ذلك قول الكميت بن زيد في مدح رسول الله (ص):
إلى السراج المنير أحمد لا * يعدلني رغبة ولا رهب عنه إلى غيره ولو رفع * الناس إلي العيون وارتقبوا وقيل أفرطت بل قصدت ولو * عنفني القائلون أو ثلبوا لج بتفضيلك اللسان ولو * أكثر فيك الضجاج واللجب أنت المصفي المحض المهذب في * النسبة إن نص قومك النسب فأخرج كلامه على وجه الخطاب للنبي (ص) وهو قاصد بذلك أهل بيته، فكني عن وصفهم ومدحهم بذكر النبي (ص) وعن بني أمية بالقائلين المعنفين لأنه معلوم أنه لا أحد يوصف بتعنيف مادح النبي (ص) وتفضيله، ولا بإكثار الضجاج واللجب في إطناب القيل بفضله. وكما قال جميل بن معمر:
ألا إن جيراني العشية رائح * دعتهم دواع من هوى ومنادح