قال: وليس قوله: أم تريدون على الشك ولكنه قاله ليقبح له صنيعهم.
واستشهد لقوله ذلك ببيت الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا وقال بعض نحويي الكوفيين: إن شئت جعلت قوله: أم تريدون استفهاما على كلام قد سبقه، كما قال جل ثناؤه: ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه فجاءت أم وليس قبلها استفهام. فكان ذلك عنده دليلا على أنه استفهام مبتدأ على كلام سبقه.
وقال قائل هذه المقالة: أم في المعنى تكون ردا على الاستفهام على جهتين، إحداهما: أن تعرف معنى أي، والأخرى أن يستفهم بها، ويكون على جهة النسق، وللذي ينوي به الابتداء إلا أنه ابتداء متصل بكلام، فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلام ثم استفهمت لم يكن إلا بالألف أو ب هل. قال: وإن شئت قلت في قوله: أم تريدون قبله استفهام، فرد عليه وهو في قوله: ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير.
والصواب من القول في ذلك عندي على ما جاءت به الآثار التي ذكرناها عن أهل التأويل أنه استفهام مبتدأ بمعنى: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم؟ وإنما جاز أن يستفهم القوم ب أم وإن كانت أم أحد شروطها أن تكون نسقا في الاستفهام لتقدم ما تقدمها من الكلام لأنها تكون استفهاما مبتدأ إذا تقدمها سابق من الكلام، ولم يسمع من العرب استفهام بها ولم يتقدمها كلام. ونظيره قوله جل ثناؤه: ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه. وقد تكون أم بمعنى بل إذا سبقها استفهام لا يصلح فيه أي، فيقولون: هل لك قبلنا حق، أم أنت رجل معروف بالظلم؟ وقال الشاعر:
فوالله ما أدري أسلمى تغولت * أم القوم أم كل إلي حبيب