على وجه دخول من في قوله: من خير وما أشبه ذلك من الكلام الذي يكون في أوله جحد فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
فتأويل الكلام: ما يحب الكافرون من أهل الكتاب ولا المشركين بالله من عبدة الأوثان أن ينزل عليكم من الخير الذي كان عند الله ينزله عليكم. فتمنى المشركون وكفرة أهل الكتاب أن لا ينزل الله عليهم الفرقان وما أوحاه إلى محمد (ص) من حكمه وآياته، وإنما أحبت اليهود وأتباعهم من المشركين ذلك حسدا وبغيا منهم على المؤمنين.
وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين، والاستماع من قولهم وقبول شئ مما يأتونهم به، على وجه النصيحة لهم منهم بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون.
القول في تأويل قوله تعالى: والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
يعني بقوله جل ثناؤه: والله يختص برحمته من يشاء والله يختص من يشاء بنبوته ورسالته فيرسله إلى من يشاء من خلقه، فيتفضل بالايمان على من أحب فيهديه له.
واختصاصه إياهم بها إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه. وإنما جعل الله رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه وهدايته من هدى من عباده رحمة منه له ليصيره بها إلى رضاه ومحبته، وفوزه بها بالجنة واستحقاقه بها ثناءه وكل ذلك رحمة من الله له.
وأما قوله: والله ذو الفضل العظيم فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن أن كل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم فإنه من عنده ابتداء وتفضلا منه عليهم من غير استحقاق منهم ذلك عليه.
وفي قوله: والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم تعريض من الله تعالى ذكره بأهل الكتاب أن الذي آتي نبيه محمد (ص) والمؤمنين به من الهداية تفضلا