من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده وبين ما حاول أن يتناوله. ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى، فكذلك قوله: ثم توليتم من بعد ذلك يعني بذلك أنكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به والقيام بما أمركم به في كتابكم فنبذتموه وراء ظهوركم. وكني بقوله جل ذكره: ذلك عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة، أعني قوله: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور.
القول في تأويل قوله تعالى: فلولا فضل الله عليكم ورحمته.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ذكره: فلولا فضل الله عليكم فلولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه، إذ رفع فوقكم الطور، بأنكم تجتهدون في طاعته، وأداء فرائضه، والقيام بما أمركم به، والانتهاء عما نهاكم عنه في الكتاب الذي آتاكم، فأنعم عليكم بالاسلام ورحمته التي رحمكم بها، وتجاوز عنكم خطيئتكم التي ركبتموها بمراجعتكم طاعة ربكم لكنتم من الخاسرين. وهذا وإن كان خطابا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص) من أهل الكتاب أيام رسول الله (ص)، فإنما هو خبر عن أسلافهم، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم على نحو ما قد بينا فيما مضى من أن القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره بما مضى من فعل أسلاف المخاطب بأسلاف المخاطب، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى نفسها، فتقول: فعلنا بكم، وفعلنا بكم.
وقد ذكرنا بعض الشواهد في ذلك من شعرهم فيما مضى.
وقد زعم بعضهم أن الخطاب في هذه الآيات إنما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به والفعل لغيرهم لان المخاطبين بذلك كانوا يتولون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل، فصيرهم الله منهم من أجل ولايتهم لهم.
وقال بعضهم: إنما قيل ذلك كذلك، لان سامعيه كانوا عالمين، وإن كان الخطاب خرج خطابا للاحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب إذ المعنى في ذلك إنما هو خبر عما قص الله من أنباء أسلافهم، فاستغنى بعلم السامعين بذلك عن ذكر أسلافهم بأعيانهم. ومثل ذلك بقول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدي من أن تقري به بدا