وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلاف بين القوم والمعلم واحد والعلم واحد غير ذي أوجه؟
وفي صحة الخبر عن الذين روي عنهم الاختلاف في حروف القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فإنهم اختلفوا وتحاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، على ما تقدم وصفناه، أبين الدلالة على فساد القول بأن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سورة القرآن، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني. مع أن المتدبر إذا تدبر قول هذا القائل في تأويله قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " أنزل القرآن على سبعة أحرف " وادعائه أن معنى ذلك أنها سبع لغات متفرقة في جميع القرآن، ثم جميع بين قيله ذلك واعتلاله لقيله ذلك بالاخبار التي رويت عمن روي ذلك عنه من الصحابة والتابعين أنه قال: " هو بمنزلة قولك تعال، وهلم، وأقبل "، وأن بعضهم قال: " هو بمنزلة قراءة عبد الله: إلا زقية، وهي في قرائتنا: إلا صيحة "، وما أشبه ذلك من حججه، علم أن حججه مفسدة في ذلك مقالته، وأن مقالته فيه مضادة حججه، لان الذي نزل به القرآن عنده إحدى القراءتين، إما صحيحة وإما زقية، وإما تعال،، أو أقبل، أو هلم، لا جميع ذلك، لان كل لغة من اللغات السبع عنده في كلمة أو حرف من القرآن غير الكلمة أو الحرف الذي فيه اللغة الأخرى. وإذا كان ذلك كذلك بطل اعتلاله لقوله بقول من قال: " ذلك بمنزلة: هلم، وتعال، وأقبل "، لان هذه الكلمات هي ألفاظ مختلفة يجمعها في التأويل معنى واحد. وقد أبطل قائل هذا القول الذي حكينا قوله اجتماع اللغات السبع في حرف واحد من القرآن، فقد تبين بذلك إفساد حجته لقوله بقوله، وإفساده قوله بحجته.
فقيل له: القول في ذلك بواحد من الوجهين اللذين وصفت، بل الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلم، وأقبل، وتعال، وإلي، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قولك: هلم، وتعال، وأقبل، وقوله: ما ينظرون إلا زقية، وإلا صيحة.
فإن قال: ففي أي كتاب الله نجد حرفا واحدا مقروءا بلغات سبع مختلفات الألفاظ متفقات المعنى، فنسلم لك صحة ما ادعيت من التأويل في ذلك؟
قيل: إنا لم ندع أن ندع أن ذلك موجود اليوم، وإنما أخبرنا أن معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " أنزل