قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فإذا كان تأويل قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " أنزل القرآن على سبعة أحرف " عندك ما وصفت بما عليه استشهدت، فأوجدنا حرفا في كتاب الله مقروءا بسبع لغات، فنحقق بذلك قولك! وإلا فإن لم تجد ذلك كذلك، كان معلوما بعد مكة (1) صحة قول من زعم أن تأويل ذلك أنه نزل بسبعة معان، وهو: الامر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل، وفساد قولك. أو تقول في ذلك: إن الأحرف السبعة لغات في القرآن سبع متفرقة في جميعه من لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن، كما كان يقوله بعض من لم يمعن النظر في ذلك، فيصير بذلك إلى القول بما لا يجهل فساده ذو عقل ولا يلتبس خطؤه على ذي لب. وذلك، أن الاخبار التي بها احتججت لتصحيح مقالتك في تأويل قول النبي (صلى الله عليه سلم): " نزل القرآن على سبعة أحرف "، هي الاخبار التي رويتها عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، رحمة الله عليهم، وعمن رويت ذلك عنه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بأنهم تماروا في تلاوة بعض القرآن، فاختلفوا في قراءته دون تأويله، وأنكر بعض قراءة بعض، مع دعوى كل قارئ منهم قراءة منها: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقرأه ما قرأ بالصفة التي قرأ. ثم احتكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكان من حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنيهم أن صوب قراءة كل قارئ منهم على خلافها قراءة أصحابه الذين نازعوه فيها، وأمر كل امرئ منهم أن يقرأ كما علم، حتى خالط قلب بعضهم الشك في الاسلام لما رأى من تصويب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قراءة كل قارئ منهم على اختلافها. ثم جلاه الله عنه ببيان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن عندك - كما قال هذا القائل - متفرقة في القرآن، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الاسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويتها عنه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأمر كلا أن يقرأ كما علم، لان الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير موجب حرف من ذلك اختلافا بين تالية (2)، لان كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوة واحدة على ما هو به في مصحف، وعلى ما أنزل. وإذا كان ذلك كذلك بطل وجه اختلاف الذين روي منهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة، وفسد معنى أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) كل قارئ منهم أن يقرأه على ما علم، إذ كان لا معنى هنالك يوجب اختلافا في لفظ ولا افتراقا في معنى.
(٤١)