فقال: ولا متدارك، ولم يتقدمه فعل بلفظه يعطف عليه، ولا حرف معرب إعرابه فيرد متدارك عليه في إعرابه. ولكنه لما تقدمه فعل مجحود ب لن يدل على المعنى المطلوب في الكلام وعلى المحذوف، استغنى بدلالة ما ظهر منه عن إظهار ما حذف، وعامل الكلام في المعنى والاعراب معاملته أن لو كان ما هو محذوف منه ظاهرا. لان قوله:
أجدك لن ترى بثعيلبات بمعنى: أجدك لست براء، فرد متداركا على موضع ترى كأن لست والباء موجودتان في الكلام، فكذلك قوله: وإذ قال ربك لما سلف قبله تذكير الله المخاطبين به ما سلف قبلهم وقبل آبائهم من أياديه وآلائه، وكان قوله: وإذ قال ربك للملائكة مع ما بعده من النعم التي عددها عليهم ونبههم على مواقعها، رد إذ على موضع: وكنتم أمواتا فأحياكم لان معنى ذلك: اذكروا هذه من نعمي، وهذه التي قلت فيها للملائكة.
فلما كانت الأولى مقتضية إذ عطف وإذ على موضعها في الأولى كما وصفنا من قول الشاعر في ولا متدارك.
القول في تأويل قوله تعالى: للملائكة.
قال أبو جعفر: والملائكة جمع ملك، غير أن واحدهم بغير الهمز أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز، وذلك أنهم يقولون في واحدهم ملك من الملائكة، فيحذفون الهمز منه، ويحركون اللام التي كانت مسكنة لو همز الاسم. وإنما يحركونها بالفتح، لأنهم ينقلون حركة الهمزة التي فيه بسقوطها إلى الحرف الساكن قبلها، فإذا جمعوا واحدهم ردوا الجمع إلى الأصل وهمزوا، فقالوا: ملائكة. وقد تفعل العرب نحو ذلك كثيرا في كلامها، فتترك الهمز في الكلمة التي هي مهموزة فيجري كلامهم بترك همزها في حال، وبهمزها في أخرى، كقولهم: رأيت فلانا، فجرى كلامهم بهمز رأيت، ثم قالوا:
نرى وترى ويرى، فجرى كلامهم في يفعل ونظائرها بترك الهمز، حتى صار الهمز معها شاذا مع كون الهمز فيها أصلا. فكذلك ذلك في ملك وملائكة، جرى كلامهم بترك الهمز من واحدهم، وبالهمز في جميعهم. وربما جاء الواحد مهموزا كما قال الشاعر: