قال أبو جعفر: والامر في ذلك بخلاف ما قال وذلك أن إذ حرف يأتي بمعنى الجزاء، ويدل على مجهول من الوقت، وغير جائز إبطال حرف كان دليلا على معنى في الكلام. إذ سواء قيل قائل هو بمعنى التطول، وهو في الكلام دليل على معنى مفهوم. وقيل آخر في جميع الكلام الذي نطق به دليلا على ما أريد به وهو بمعنى التطول. وليس لمدعي الذي وصفنا قوله في بيت الأسود بن يعفر، أن إذا بمعنى التطول وجه مفهوم بل ذلك لو حذف من الكلام لبطل المعنى الذي أراده الأسود بن يعفر من قوله:
فإذا وذلك لا مهاه لذكره وذلك أنه أراد بقوله: فإذا الذي نحن فيه، وما مضى من عيشنا. وأشار بقوله ذلك إلى ما تقدم وصفه من عيشه الذي كان فيه لا مهاه لذكره، يعني لا طعم له ولا فضل، لا عقاب الدهر صالح ذلك بفساد. وكذلك معنى قول عبد مناف بن ربع:
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة * شلا....
لو أسقط منه إذا بطل معنى الكلام لان معناه: حتى إذا أسلكوهم في قتائدة سلكوا شلا. فدل قوله: أسلكوهم شلا على معنى المحذوف، فاستغنى عن ذكره بدلالة إذا عليه، فحذف. كما قد ذكرنا فيما مضى من كتابنا على ما تفعل العرب في نظائر ذلك، وكما قال النمر بن تولب:
فإن المنية من يخشها * فسوف تصادفه أينما وهو يريد: أينما ذهب. وكما تقول العرب: أتيتك من قبل ومن بعد تريد: من قبل ذلك ومن بعد ذلك. فكذلك ذلك في إذا كما يقول القائل: إذا أكرمك أخوك فأكرمه وإذا لا فلا يريد: وإذا لم يكرمك فلا تكرمه. ومن ذلك قول الآخر:
فإذا وذلك لا يضرك ضره * في يوم أثل نائلا أو أنكدا نظير ما ذكرنا من المعنى في بيت الأسود بن يعفر. وكذلك معنى قول الله جل ثناؤه:
وإذ قال ربك للملائكة لو أبطلت إذ وحذفت من الكلام، لاستحال عن معناه الذي هو به وفيه إذ.