عاجل عقوبته بمعصيتهما التي كانت منهما، ومخالفتهما أمره الذي أمرهما به، وما كان من تغمده آدم برحمته إذ تاب وأناب إليه، وما كان من إحلاله بإبليس من لعنته في العاجل، وإعداده له ما أعد له من العذاب المقيم في الآجل إذا استكبر وأبى التوبة إليه والإنابة، منبها لهم على حكمه في المنيبين إليه بالتوبة، وقضائه في المستكبرين عن الإنابة، إعذارا من الله بذلك إليهم وإنذارا لهم، ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب. وخاصا أهل الكتاب بما ذكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأمية من مشركي عبدة الأوثان، بالاحتجاج عليهم دون غيرهم من سائر أصناف الأمم الذين لا علم عندهم بذلك لنبيه محمد (ص)، ليعلموا بإخباره إياهم بذلك، أنه لله رسول مبعوث، وأن ما جاءهم به فمن عنده، إذ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص من مكنون علومهم، ومصون ما في كتبهم، وخفي أمورهم التي لم يكن يدعي معرفة علمها غيرهم وغير من أخذ عنهم وقرأ كتبهم. وكان معلوما من محمد (ص) أنه لم يكن قط كاتبا ولا لأسفارهم تاليا، ولا لاحد منهم مصاحبا ولا مجالسا، فيمكنهم أن يدعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم، فقال جل ذكره في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه مع كفرهم به، وتركهم شكره عليها مما يجب له عليهم من طاعته تأويل قوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم) * فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا، لان الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع. أما في الدين فدليل على وحدانية ربهم، وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه فلذلك قال جل ذكره: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا. وقوله: هو مكنى من اسم الله جل ذكره، عائد على اسمه في قوله: كيف تكفرون بالله. ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه: إنشاؤه عينه، وإخراجه من حال العدم إلى الوجود. وما بمعنى الذي. فمعنى الكلام إذا: كيف تكفرون بالله وقد كنتم نطفا في أصلاب آبائكم، فجعلكم بشرا أحياء، ثم يميتكم، ثم هو محييكم بعد ذلك، وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب، وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم. وكيف بمعنى التعجب والتوبيخ لا بمعنى الاستفهام، كأنه قال: ويحكم كيف تكفرون بالله، كما قال: فأين تذهبون. وحل قوله: وكنتم أمواتا فأحياكم
(٢٧٤)