أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين أي استكبر وكان من الكافرين قال الله له:
ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين، قال الله له: اخرج منها فما يكون لك يعني ما ينبغي لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين والصغار هو الذل. قال: وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرض الخلق على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا له: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال الله: يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون قال: قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها فهذا الذي أبدوا، وأعلم ما كنتم تكتمون، يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
قال أبو جعفر: فهذا الخبر أوله مخالف معناه معنى الرواية التي رويت عن ابن عباس من رواية الضحاك التي قد قدمنا ذكرها قبل، وموافق معنى آخره معناها وذلك أنه ذكر في أوله أن الملائكة سألت ربها: ما ذاك الخليفة؟ حين قال لها: إني جاعل في الأرض خليفة فأجابها أنه تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا.
فقالت الملائكة حينئذ: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ فكان قول الملائكة ما قالت من ذلك لربها بعد إعلام الله إياها أن ذلك كائن من ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض، فذلك معنى خلاف أوله معنى خبر الضحاك الذي ذكرناه.
وأما موافقته إياه في آخره، فهو قولهم في تأويل قوله: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وأن الملائكة قالت إذ قال لها ربها ذلك، تبريا من علم الغيب: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وهذا إذا تدبره ذو الفهم، علم أن أوله يفسد آخره، وأن آخره يبطل معنى أوله وذلك أن الله جل ثناؤه إن كان أخبر الملائكة أن ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدماء، فقالت الملائكة لربها: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمن أخبرها الله عنه أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء بمثل الذي أخبرها عنهم ربها، فيجوز أن يقال لها فيما طوي عنها من العلوم إن كنتم صادقين فيما علمتم بخبر الله إياكم أنه كائن من الأمور، فأخبرتم به، فأخبرونا بالذي قد طوى الله عنكم علمه، كما قد أخبرتمونا بالذي قد أطلعكم الله عليه. بل ذلك خلف من التأويل، ودعوى على الله ما لا يجوز أن يكون له صفة. وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا