الآخر: هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم، وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب والمصير في البرزخ إلى اليوم البعث، وأن الاحياء الثالث: هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة. وهذا تأويل إذا تدبره المتدبر وجده خلافا لظاهر قول الله الذي زعم مفسره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وزعم ابن زيد في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات، وأماتهم ثلاث إماتات. والامر عندنا وإن كان فيما وصف من استخراج الله جل ذكره من صلب آدم ذريته، وأخذه ميثاقه عليهم كما وصف، فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين، أعني قوله: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا الآية، وقوله: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين في شئ لان أحدا لم يدع أن الله أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة التي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث، فيكون جائزا أن يوجه تأويل الآية إلى ما وجهه إليه ابن زيد.
وقال بعضهم: الموتة الأولى: مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي ميتة من لدن فراقها جسده إلى نفخ الروح فيها، ثم يحييها الله بنفخ الروح فيها فيجعلها بشرا سويا بعد تارات تأتي عليها، ثم يميته الميتة الثانية بقبض الروح منه. فهو في البرزخ ميت إلى يوم ينفخ في الصور فيرد في جسده روحه، فيعود حيا سويا لبعث القيامة فذلك موتتان وحياتان. وإنما دعا هؤلاء إلى هذا القول لأنهم قالوا: موت ذي الروح مفارقة الروح إياه، فزعموا أن كل شئ من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي ذا الروح، فكل ما فارق جسده الحي ذا الروح فارقته الحياة فصار ميتا، كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه، والرجل من رجليه لو قطعت وأبينت، والمقطوع ذلك منه حي، كان الذي بان من جسده ميتا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الذي فيه الروح. قالوا: فكذلك نطفته حية بحياته ما لم تفارق جسده ذا الروح، فإذا فارقته مباينة له صارت ميتة، نظير ما وصفنا من حكم اليد والرجل وسائر أعضائه، وهذا قول ووجه من التأويل لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضي للقرآن تأويلهم.
وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم الآية، القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، من أن