والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله: ثم استوى إلى السماء الذي هو بمعنى العلو والارتفاع هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها، إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر، ثم لم ينج مما هرب منه. فيقال له: زعمت أن تأويل قوله:
استوى أقبل، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال. ثم لن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا، وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إنه شاء الله تعالى.
قال أبو جعفر: وإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟ قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبع سماوات، كما قال جل ثناؤه:
ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها والاستواء كان بعد أن خلقها دخانا، وقبل أن يسويها سبع سماوات.
وقال بعضهم: إنما قال استوى إلى السماء ولا سماء، كقول الرجل لآخر: اعمل هذا الثوب وإنما معه غزل. وأما قوله فسواهن فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن، والتسوية في كلام العرب: التقويم والاصلاح والتوطئة، كما يقال: سوى فلان لفلان هذا الامر: إذا قومه وأصلحه ووطأه له. فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سماواته: تقويمه إياهن على مشيئته، وتدبيره لهن على إرادته، وتفتيقهن بعد ارتاقهن كما:
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:
فسواهن سبع سماوات يقول: سوى خلقهن وهو بكل شئ عليم.
وقال جل ذكره: فسواهن فأخرج مكنيهن مخرج مكنى الجمع. وقد قال قبل:
ثم استوى إلى السماء فأخرجها على تقدير الواحد. وإنما أخرج مكنيهن مخرج مكني الجمع. لان السماء جمع واحدها سماوة، فتقدير واحدتها وجمعها إذا تقدير بقرة وبقر،