قال أبو جعفر: ومعنى قوله: وإياك نستعين وإياك ربنا نستعين على عبادتنا إياك وطاعتنا لك وفي أمورنا كلها لا أحدا سواك، إذ كان من يكفر بك يستعين في أموره معبوده الذي يعبده من الأوثان دونك، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة.
كالذي:
145 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثني بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس: وإياك نستعين قال: إياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
فإن قال قائل: وما معنى أمر الله عباده بأن يسألوه المعونة على طاعته؟ أو جائز وقد أمرهم بطاعته أن لا يعينهم عليها؟ أم هل يقول قائل لربه: إياك نستعين على طاعتك، إلا وهو على قوله ذلك معان، وذلك هو الطاعة، فما وجه مسألة العبد ربه ما قد أعطاه إياه؟
قيل: إن تأويل ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه وإنما الداعي ربه من المؤمنين أن يعينه على طاعته إياه، داع أن يعينه فيما بقي من عمره على ما كلفه من طاعته، دون ما قد تقضى ومضى من أعماله الصالحة فيما خلا من عمره. وجازت مسألة العبد ربه ذلك لان إعطاء الله عبده ذلك مع تمكينه جوارحه لأداء ما كلفه من طاعته وافترض عليه من فرائضه، فضل منه جل ثناؤه تفضل به عليه، ولطف منه لطف له فيه وليس في تركه التفضل على بعض عبيده بالتوفيق مع اشتغال عبده بمعصيته وانصرافه عن محبته، ولا في بسطه فضله على بعضهم مع إجهاد العبد نفسه في محبته ومسارعته إلى طاعته، فساد في تدبير ولا جور في حكم، فيجوز أن يجهل جاهل موضع حكم الله، وأمره عبده بمسألته عونه على طاعته.
وفي أمر الله جل ثناؤه عباده أن يقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين بمعنى مسألتهم إياه المعونة على العبادة أدل الدليل على فساد قول القائلين بالتفويض من أهل القدر، الذين أحلوا أن يأمر الله أحدا من عبيده بأمر أو يكلفه فرض عمل إلا بعد إعطائه المعونة على فعله وعلى تركه.
ولو كان الذي قالوا من ذلك كما قالوا لبطلت الرغبة إلى الله في المعونة على طاعته، إذ كان على قولهم مع وجود الأمر والنهي والتكليف حقا واجبا على الله للعبد إعطاؤه المعونة عليه، سأله عبده ذلك أو ترك مسألة ذلك بل ترك إعطائه ذلك عندهم منه جور. ولو كان الامر في ذلك على ما قالوا، لكن القائل: إياك نعبد وإياك نستعين إنما