قال أبو جعفر: ومعنى قوله: اهدنا الصراط المستقيم في هذا الموضع عندنا:
وفقنا للثبات عليه، كما روي ذلك عن ابن عباس.
146 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس قال: قال جبريل لمحمد: قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم، يقول: ألهمنا الطريق الهادي.
وإلهامه إياه ذلك هو توفيقه له كالذي قلنا في تأويله. ومعناه نظير معنى قوله: إياك نستعين في أنه مسألة العبد ربه التوفيق للثبات على العمل بطاعته، وإصابة الحق والصواب فيما أمره به، ونهاه عنه فيما يستقبل من عمره دون ما قد مضى من أعماله وتقضى فيما سلف من عمره، كما في قوله: إياك نستعين مسألة منه ربه المعونة على أداء ما قد كلفه من طاعته فيما بقي من عمره. فكان معنى الكلام: اللهم إياك نعبد وحدك لا شريك لك، مخلصين لك العبادة دون ما سواك من الآلهة والأوثان، فأعنا على عبادتك، ووفقنا لما وفقت له من أنعمت عليه من أنبيائك وأهل طاعتك من السبيل والمنهاج.
فإن قال قائل: وأني وجدت الهداية في كلام العرب بمعنى التوفيق؟ قيل له: ذلك في كلامها أكثر وأظهر من أن يحصى عدد ما جاء عنهم في ذلك من الشواهد، فمن ذلك قول الشاعر:
لا تحرمني هداك الله مسألتي * ولا أكونن كمن أودى به السفر يعني به: وفقك الله لقضاء حاجتي. ومنه قول الآخر:
ولا تعجلني هداك المليك * فإن لكل مقام مقالا فمعلوم أنه إنما أراد: وفقك الله لإصابة الحق في أمري. ومنه قول الله جل ثناؤه:
والله لا يهدي القوم الظالمين في غير آية من تنزيله. وقد علم بذلك أنه لم يعن أنه لا يبين للظالمين الواجب عليهم من فرائضه. وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه، وقد عم بالبيان جميع المكلفين من خلقه؟ ولكنه عنى عز وجل، أنه لا يوفقهم، ولا يشرح للحق والايمان صدورهم.
وقد زعم بعضهم أن تأويل قوله: اهدنا زدنا هداية. وليس يخلو هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكون قائله قد ظن أن النبي (ص) أمر بمسألة ربه الزيادة في البيان، أو الزيادة في المعونة والتوفيق. فإن كان ظن أنه أمر بمسألة الزيادة في البيان فذلك ما لا وجه