ولنا أن نقيس هؤلاء على أنفسنا في قراءتنا للجملات المعلومة لنا، مثل جملة " صبحكم الله بالخير " فإننا نقرأها صحيحة ولو لم تكن منقطة.
وعدا عن أن هذا الاختلاف الناشئ عن عدم النقط والشكل لم يكن في صالح المسلمين، فإنه أيضا قد يؤدي إلى التغيير في المعاني واشتباه المراد في كلامه تعالى. وكمثال على ذلك نذكر أنه لو نظر شخص - لا معرفة له - في قوله تعالى * (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * (1) وهي بلا إعجام ولا إعراب لاحتمل في كلمة " بشرا " احتمالات كثيرة، بعضها له معنى، وبعضها لا معنى له، ولو أسقط منها ما لا معنى له لبقي له أيضا العديد منها تستلزم الأقوال الكثيرة المختلفة.
فمنها: أن يقرأها " نشرا " بضم النون والشين معا.
ومنها: أن يقرأها " نشرا " بضم النون وسكون الشين.
ومنها: أن يقرأها " نشرا " بفتح النون وسكون الشين.
ومنها: أن يقرأها " بشرا " بضم الباء وسكون الشين كما في قراءة عاصم على ما قيل، وهو المطابق لضبط القرآن.
فلعل قسما كبيرا من الاختلافات بين القراء السبعة كان مرده إلى هذا، أي كان كثيرا ما يحصل من ترجيح كل منهم أحد الوجوه واعتماده عليه.
وهذا الاختلاف هو ما تكفل أبو الأسود (2) وتلميذاه (3) برفعه والقضاء عليه، كما تكفل عثمان برفع الاختلاف الناشئ عن تجويز قراءة القرآن على سبعة أحرف، فنعم ما فعلوه.