أضف إلى ذلك: أن ترتيب القرآن الموجود ليس له ملاك واحد، يكون أساسا مطردا في تقديم هذا وتأخير ذاك، وكمثال على ذلك تأمل في الآيتين من سورة الشمس * (والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها) * (1) فترى ذكر النهار فيها مقدما على ذكر الليل، بخلاف الآيتين في سورة الليل: * (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى) * (2) فالليل فيها مقدم على النهار، الأمر الذي يقوي الظن بأن الترتيب لم يكن بالاجتهاد والاستحسان، وإلا لقدم أحدهما في جميع المواضع.
الثاني: الأحاديث الدالة على أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد ذكر بعض الآيات بأنها آخر أو أول سورة كذا، مما يكشف عن أن أول السورة وآخرها قد أحدث في عصره (صلى الله عليه وآله).
وكذا الحال في الروايات التي ورد فيها ذكر أسامي بعض السور، وهي كثيرة وتدل على أن السورة قد تكونت في عصره (صلى الله عليه وآله). ونذكر منها على سبيل المثال:
1 - ما تقدم عن الشيخ الثقة ماجيلويه عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ أربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاث من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه... الخ.
2 - ما عن البخاري في كتاب فضائل القرآن: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة... الخ.
قال العسقلاني: ومن حديث النعمان بن بشير رفعه: أن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة. وقال في آخره: " آمن الرسول... " وأصله عند الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم (3).
3 - ما عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قرأ آخر سورة الحشر ثم مات من يومه أو ليلته كفر عنه كل خطيئة عملها (4).